للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى خَدِّهِ، فَبَقِيَ مُفَكِّراً، وَنِمْتُ، ثُمَّ قُمْتُ وَقْتَ الفَجْرِ، فَإِذَا المِطْهَرَةُ فِي يَدِهِ كَمَا هِيَ، فَقُلْتُ: هَذَا الفَجْرُ قَدْ طَلعَ.

فَقَالَ: لَمْ أَزَلْ مُنْذُ نَاوَلْتَنِي المِطْهَرَةَ أَتَفَكَّرُ فِي الآخِرَةِ، حَتَّى السَّاعَةَ (١) .

وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ يَشْتَرِي شَيْئاً، فَقَالَ: دَعنِي، فَإِنَّ قَلْبِي عِنْدَ دِرْهَمِي.

وَرَوَى: مُوْسَى بنُ العَلاَءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيِّ، قَالَ:

قَالَ سُفْيَانُ: لأَنْ أُخَلِّفَ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحتَاجَ إِلَى النَّاسِ.

وَقَالَ رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ المَالُ فِيْمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِنِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ.

قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ عَلَيْكَ، فَإِنْ سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ، وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ.

وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ؟!

قَالَ: اسْكُتْ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوْكُ.

قَالَ: قَدْ كَانَ سُفْيَانُ رَأْساً فِي الزُّهدِ، وَالتَّأَلُّهِ، وَالخَوْفِ، رَأْساً فِي الحِفْظِ، رَأْساً فِي مَعْرِفَةِ الآثَارِ، رَأْساً فِي الفِقْهِ، لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ، وَاغْتُفِرَ لَهُ غَيْرُ مَسْأَلَةٍ اجْتَهَدَ فِيْهَا، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ، كَانَ يُثَلِّثُ بِعَلِيٍّ (٢) ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ بَلَدِهِ أَيْضاً فِي النَّبِيذِ (٣) . وَيُقَالُ: رَجَعَ عَنْ كُلِّ


(١) الخبر في " الحلية ": ٧ / ٥٣، والزيادات منه.
(٢) أي: كان يقدم عليا على عثمان - رضي الله عنهما - في التفضيل.
(٣) انظر الصفحة: ٢٥٩، و: ٢٧٥.