للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ عَمَّنْ قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلاَ يَقُوْلُ: مَخْلُوْقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَقَالَ:

هَذَا شَاكٌّ، وَالشَّاكُّ كَافِرٌ (١) .

قُلْتُ: بَلْ هَذَا سَاكِتٌ، وَمَنْ سَكَتَ تَوَرُّعاً لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَمَنْ سَكَتَ شَاكّاً مُزْرِياً عَلَى السَّلَفِ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المِصْرِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَقُلْتُ:

إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ لَفْظَنَا بِالقُرْآنِ غَيْرُ المَلْفُوْظِ.

فَقَالَ: لَفْظُنَا بِالقُرْآنِ هُوَ المَلْفُوْظُ، وَالحِكَايَةُ هِيَ المَحْكِيُّ، وَهُوَكَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.

قُلْتُ: إِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَعَنَى بِهِ القُرْآنَ، فَنَعَمْ، وَإِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَقَصَدَ بِهِ تَلَفُّظِي وَصَوتِي وَفِعْلِي أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُصِيبٌ، فَاللهُ -تَعَالَى- خَالِقُنَا وَخَالِقُ أَفْعَالِنَا وَأَدَوَاتِنَا، وَلَكِنَّ الكَفَّ عَنْ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَيَكفِي المَرْءَ أَنْ يُؤمِنَ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيْلُهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي ذِهنٍ سَلِيمٍ أَنَّ الجَمَاعَةَ إِذَا قَرَؤُوا السُّوْرَةَ أَنَّهُم جَمِيْعَهُم قَرَؤُوا شَيْئاً وَاحِداً، وَأَنَّ أَصْوَاتَهُم وَقِرَاءاتِهِم وَحَنَاجِرَهُمْ أَشْيَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَالمَقرُوءُ كَلاَمُ رَبِّهِم، وَقِرَاءتُهُم وَتَلَفُّظُهُم وَنَغَمَاتُهُم مُتَبَايِنَةٌ، وَمَنْ لَمْ يَتَصَوَّرِ الفَرْقَ بَيْنَ التَّلَفُّظِ وَبَيْنَ المَلْفُوْظِ، فَدَعْهُ، وَأَعْرِضْ عَنْهُ.


(١) " غاية النهاية في طبقات القراء " ١ / ٦٢.