للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاِبْنِ طولُوْنَ: أَنْتَ أَريتَنِي كِتَاب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ بِتَوْلِيَتِهِ الْعَهْد، فَأَرنِي كِتَابهُ بِخلْعِهِ.

قَالَ: إِنَّهُ مَحْجُوز عَلَيْهِ، قَالَ: لاَ أَدْرِي.

قَالَ: أَنْتَ قَدْ خَرفت وَحَبَسَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ عَطَاءهُ عَلَى القَضَاء عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، وَأَمر الْمُوفق بلعنَة أَحْمَد بن طولُوْنَ عَلَى المنَابر (١) .

وَسَارَ ابْن طولُوْنَ، فَحَاصر المِصِّيْصَة، وَبِهَا خَادم، فسلَّط الخَادِم عَلَى جَيْش أَحْمَد بُثُوق النَّهْر، فَهلك مِنْهُم خلق، وَترحّلُوا، وَتخطَّفَهُم أَهْلُ المَدِيْنَة، وَمَرِضَ أَحْمَد، وَمَاتَ مغبوناً.

وفِي شَوَّالٍ كَانَتِ المَلْحَمَة الكُبْرَى بَيْنَ الخَبِيْث وَالموفق (٢) .

ثُمَّ وَقعت الهَزِيْمَة عَلَى الزَّنج، وَكَانُوا فِي جوع شَدِيد وَبلاَء - لاَ خفَّف الله عَنْهُم - وَخَامر عِدَّةٌ مِنْ قُوَّاد الخَبِيْث وَخوَاصّه، وَأُدخِلَ المُعْتَمِدُ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ الْتَقَى الخَبِيْث وَالموفق، فَانهزمت الزَّنج أَيْضاً، وَأَحَاط الجَيْش، فحصرُوا الخَبِيْث فِي دَارِ الإِمَارَة، فَانملس مِنْهَا إِلَى دَار المُهَلَّبِيّ أَحَد قُوَّاده، وَأُسِرَت حُرَمُه، فَكَانَ النِّسَاء نَحْو مائَة، فَأَحسن إِليهنّ الْمُوفق، وَأُحرِقَت الدَّار.

ثُمَّ جرت ملحمَة بَيْنَ الْمُوفق وَالخَبِيْث فِي أَوّل سنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَقعَة أُخْرَى قُتِلَ فِيْهَا الخَبِيْث - لاَ رَحِمَهُ اللهُ -.

وَكَانَ قَدِ اجْتَمَع مِنَ الجُنْد، وَمِنَ المطوّعَة مَعَ الْمُوفق نَحْو ثَلاَث مائَة أَلْف.

وَفِي آخِر الأَمْر شدَّ الخَبِيْث وَفُرْسَانه، فَأَزَالوا النَّاس عَنْ موَاقفهم، فَحْمل الْمُوفق، فَهَزمهُم، وَسَاقَ وَرَاءهُم إِلَى آخِر النَّهْر، فَبينَا الحَرْب تَسْتعر إِذْ أَتَى فَارِس إِلَى الْمُوفق وَبِيَدِهِ رَأْس الخَبِيْث، فَمَا صدَّق، وَعرضه عَلَى جَمَاعَة، فَقَالُوا: هُوَ هُوَ، فَترجّل الْمُوفق وَالأُمَرَاء، وَخرُّوا سَاجدين للهِ، وضجُوا بِالتّكبِير، وَبَادر أَبُو العَبَّاسِ بن الْمُوفق فِي خوَّاصه، وَمَعَهُ رَأْس الخَبِيْث


(١) " تاريخ السيوطي ": ٣٦٥، ٣٦٦.
(٢) " تاريخ الطبري " ٩ / ٦٢٨ وما بعدها.