للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرِّجَالِ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.

فَفُرِجَتْ لِي فُرْجَةً، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا: - رَحِمَكَ اللهُ - رَجُلٌ غَرِيْبٌ نَاءٍ عَنْ وَطَنِهِ، يُحِبُّ السُّؤَالَ، فَلاَ تَسْتَجْفِنِي.

فَقَالَ: قُلْ.

فَسَأَلْتُ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيْتُهُ، فَبَعْضاً زَكَّى، وَبَعْضاً جَرَحَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ.

فَقَالَ لِي: أَبُو الوَلِيْدِ، صَاحِبُ صَلاَةِ دِمَشْقَ، ثِقَةٌ، وَفَوْق الثِّقَةِ، لَوْ كَانَ تَحْتَ رِدَائِهِ كِبْرٌ، أَوْ مُتَقَلِّداً كِبْراً، مَا ضَرَّهُ شَيْئاً لِخَيْرِهِ وَفَضْلِهِ، فَصَاحَ أَصْحَابُ الحَلْقَةِ: يَكْفِيْكَ - رَحِمَكَ اللهُ - غَيْرُكَ لَهُ سُؤَالٌ.

فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى قَدَمٍ: اكشِفْ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَنَظَرَ إِليَّ كَالمُتَعَجِّبِ، فَقَالَ لِي: وَمِثْلُنَا، نَحْنُ نَكْشفُ عَنْ أَحْمَدَ؟! ذَاكَ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ، وَخَيْرُهُم وَفَاضِلُهُم.

فَخَرَجْتُ أَستَدِلُّ عَلَى مَنْزِلِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَدُلِلْتُ عَلَيْهِ، فَقَرَعْتُ بَابَهُ، فَخَرَجَ إِليَّ، فَقُلْتُ:

يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ رَجُلٌ غَرِيْبٌ، نَائِي الدَّارِ، هَذَا أَوَّلُ دُخُوْلِي هَذَا البَلَد، وَأَنَا طَالِبُ حَدِيْثٍ، وَمُقَيِّدُ سُنَّةٍ، وَلَمْ تَكُنْ رِحْلَتِي إِلاَّ إِلَيْكَ.

فَقَالَ: ادْخُلِ الأَصطوَانَ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْكَ عَيْنٌ.

فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي: وَأَيْنَ مَوْضِعُكَ؟

قُلْتُ: المَغْرِبُ الأَقْصَى.

فَقَالَ: إِفْرِيْقِيَّة؟

قُلْتُ: أَبْعَدُ مِنْ إِفْرِيْقِيَّةَ، أَجُوْزُ مِنْ بَلَدِي البَحْرَ إِلَى إِفْرِيْقِيَّةَ، بَلَدِي الأَنْدَلُسَ.

قَالَ: إِنَّ مَوْضِعَكَ لَبَعِيْدٌ، وَمَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أُحْسِنَ عَوْنَ مِثْلِكَ، غَيْرَ أَنِّي مُمْتَحَنٌ بِمَا لَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَكَ.

فَقُلْتُ: بَلَى، قَدْ بَلَغَنِي، وَهَذَا أَوَّلُ دُخُولِي، وَأَنَا مَجْهُوْلُ العَيْن عِنْدَكُم، فِإِنْ أَذِنْتَ لِي أَنْ آتِيَ كُلَّ يَوْمٍ فِي زَيِّ السُّؤَّالِ، فَأَقُولُ عِنْدَ البَابِ مَا يَقُوْلُهُ السُّؤَّالُ، فَتَخْرُجُ إِلى هَذَا المَوْضِعِ، فَلَو لَمْ تُحَدِّثْنِي كُلَّ يَوْمٍ إِلاَّ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ لِي فِيْهِ كِفَايَةً.

فَقَالَ لِي: نَعَمْ، عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا تَظْهَرَ فِي الخَلْقِ، وَلا عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ.

فَقُلْتُ: لَكَ شَرْطُكَ، فَكُنْتُ آخُذُ عَصاً بِيَدِي، وَأَلُفُّ رَأْسِي بِخِرْقَةٍ مُدَنَّسَةٍ، وَآتِي بَابَهُ فَأَصِيْحُ: الأَجْرَ - رَحِمَكَ اللهُ - وَالسُّؤَّالُ هُنَاكَ كَذَلِكَ، فَيَخْرُجُ إِليَّ، وَيُغْلِقُ،