للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَارَ لتلقِّي أَبِي عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيّ، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخ! بِمَ كُنْت تقضِي؟

فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْنُسَ: بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

قَالَ: فَمَا السُّنَّة؟

قَالَ: السُّنَّة السُّنَّة.

قَالَ ابْنُ الحَدَّاد: فَقُلْتُ لِلشِّيعِي: المَجْلِسُ مشتَرَك أُمْ خَاصّ؟

قَالَ: مشترَك.

فَقُلْتُ: أَصلُ السُّنَّة فِي كَلاَم العَرَب المثَال، قَالَ الشَّاعِر:

تُرِيْكَ سَنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ... مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلاَ نَدَبُ (١)

أَي صُورَة وَجه وَمثَاله.

وَالسُّنَّة محصورَةٌ فِي ثَلاَث: الاَئِتمَار بِمَا أَمرَ بِهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالاَنتهَاء عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَالاَئِتسَاء بِمَا فعل.

فَقَالَ الشِّيْعِيّ: فَإِنِ اختلفَ عَلَيْكَ النّقل، وَجَاءتِ السُّنَّةُ مِنْ طُرق؟

قُلْتُ: أَنظرُ إِلَى أَصحِّ الخَبَرَيْن، كشُهُوْدٍ عدولٍ اختلفُوا فِي شهَادَة.

قَالَ: فَلَو اسْتَوَوْا فِي الثَّبَات؟

قُلْتُ: يَكُوْنُ أَحَدهُمَا نَاسخاً لِلآخر.

قَالَ: فمِنْ أَيْنَ قلتُم بِالقِيَاس؟

قُلْتُ: مِنْ كِتَاب الله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المَائِدَة:٩٥] فَالصَّيْدُ معلومَةٌ عينُه، فَالجزَاءُ أُمرنَا أَنْ نمثِّلَهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّعَم، وَمثلُه فِي تَثْبِيت القِيَاس: {لَعَلِمَهُ الَّذِيْنَ يَسْتَنبِطُوْنَهُ} [النِّسَاء:٨٣] وَالاستنباط غَيْر مَنْصُوص.

ثُمَّ عَطَفَ عَلَى مُوْسَى القَطَّان فَقَالَ: أَيْنَ وَجدتُمْ حدَّ الخَمْر فِي كِتَاب الله، تَقُولُ: اضرِبُوْهُ بِالأَرديَة وَبَالأَيْدِي ثُمَّ بِالجَرِيد (٢) ؟

فَقُلْتُ أَنَا: إِنَّمَا حُدَّ قِيَاساً عَلَى حدِّ القَاذف، لأَنَّه إِذَا شرِبَ سَكِر، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افترَى (٣) ،


(١) البيت لذي الرمة، وهو في ديوانه ص ٨ من قصيدته التي مطلعها: ما بال عينك منها الماء ينسكب * كأنه من كلى مفرية سرب وقوله: سنة وجه: أي صورة وجه.
والندب: الاثر من الجراح.
(٢) ثبت ذلك من حديث أنس عند البخاري: ١٢ / ٥٤ في الحدود: باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، ومسلم (١٧٠٦) في الحدود: باب حد الخمر، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين ".
(٣) أخرجه مالك: ٢ / ٥٥ في الاشربة: باب الحد في الخمر، وعنه الشافعي: =