للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خِيَاراً، فَقَالَ لِي: فِي مِثْلِ هَذَا المَكَان وَالزَّمَان؟

قُلْتُ: هُوَ شَيْءٌ عَرَضَ لِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَاعَة قَالَ: أَنْتَ عَلَى شَهْوَتك؟

قُلْتُ: نَعَم، فسرنَا إِلَى جبل ثَلج، فَأَدخل يَده فِيْهِ، وَأَخرج إِلَيَّ خيَارَةً خَضْرَاء، فَأَكَلتُهَا.

فَقَالَ حَامِد: كذبتَ يَا ابْنَ مائَة أَلْف زَانيَة، أَوجِعُوا فَكَّهُ.

فَأَسرع إِلَيْهِ الغلمَانُ، وَهُوَ يَصِيْح: أَلَيْسَ مِنْ هَذَا خِفْنَا؟ وَأُخرج، فَأَقبل حَامِد الوَزِيْر يتحدَّثُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ النِّيرنجَات (١) أَنَّهُم كَانُوا يغدُوْنَ بِإِخرَاج التِّين وَمَا يجرِي مجرَاهُ مِنَ الْفَوَاكِه، فَإِذَا حصل فِي يَد الإِنْسَان وَأَرَادَ أَنْ يَأْكله صَارَ بَعْراً (٢) .

قُلْتُ: صدق حَامِد، هَذَا هُوَ شغل أَربَاب السِّحْرِ وَالسيمِيَاء، وَلَكِن قَدْ يقوَى فعلُهُم بِحَيْثُ يَأْكُلُ الرَّجُل البعرَ وَلاَ يشعُرُ بِطعْمِهِ.

قَالَ ابْنُ بَاكويه: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُفْلِح، حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: تعجَّبت مِنْ أَمر الحَلاَّج، فَلَمْ أَزل أَتتبَّعُ وَأَطلبُ الحِيَلَ، وَأَتعلم النَّارنجيات لأَقف عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَدَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً مِنَ الأَيَّام، وَسلَّمتُ وَجلَسْتُ سَاعَة، فَقَالَ لِي: يَا طَاهِر! لاَ تتعنَّ، فَإِنَّ الَّذِي ترَاهُ وَتسمعه مِنْ فعل الأَشخَاص لاَ مِنْ فِعلِي، لاَ تَظُنَّ أَنَّهُ كرَامَةٌ أَوْ شَعْوَذَة.

فعل الأَشخَاص: يَعْنِي بِهِ الجِنّ.

وَقَالَ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق: أَنَّ الحَلاَّج لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ اسْتغوَى خلقاً مِنَ النَّاس وَالرُّؤسَاء، وَكَانَ طمعُهُ فِي الرَّافِضَة أَقوَى لدُخُوْله فِي طَرِيقهمْ، فرَاسَلَ أَبَا سَهْل بن نُوْبَخْت


(١) النيرنجات، بكسر النون: ضرب من الشعوذة والاحتيال والخداع فارسي معرب عن نيرنك، وفي الأصل: عن قوم كفاريجيات، وما أثبتناه من نشوار المحاضرة، وتاريخ بغداد.
(٢) الخبر في " نشوار المحاضرة " ٦ / ٨٤ ٨٣، و" تاريخ بغداد " ٨ / ١٣٦.