للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طُولِبَ بِهَا، فَأَنكَرَ، فَعُذِّبَ بِأَنْوَاع العَذَابِ، فَمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ، فَأَخَذَهُ الرَّاضِي بِاللهِ، فَقرَّبه وَأَدْنَاهُ، وَقَالَ: تَرَى مطَالبَةَ الجُنْدِ لَنَا، وَالَّذِي عِنْدَك لَيْسَ بنَافِعك، فَاعْتَرِفْ بِهِ، قَالَ: أَمَا إِذْ فعلت هَذَا (١) ، فَالمَالُ دفنتُهُ فِي البُسْتَانِ.

وَكَانَ قَدْ أَنشَأ بُستَاناً فِيْهِ أَصنَافُ الثَّمَرِ، وَالقصر الَّذِي زخرفَه.

فَقَالَ: وَفِي أَي مَكَان هُوَ؟

قَالَ: أَنَا مكفوفٌ وَلاَ أَهتدِي إِلَى البُقْعَةِ، فَاحفرِ البُسْتَان تجدْه فَحَفَرُوا البُسْتَانَ وَأَسَاس القصرِ، وَقلَعُوا الشَّجر فَلَمْ يُوجد شَيْء.

فَقَالَ: وَأَيْنَ المَال؟

قَالَ: وَهَل عِنْدِي مَال؟!! إِنَّمَا كَانَ حسرتِي فِي جُلوسكَ فِي البُسْتَانِ وَتنعُّمك فَفَجعْتُكَ بِهِ (٢) .

فَأَبعَدَه وَحَبَسَهُ، فَأَقَامَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ أُخرج إِلَى دَار ابْن طَاهِر، فَكَانَ تَارَةً يحبس، وَتَارَةً يُهْمَلُ.

فوقَفَ يَوْماً بِالجَامِعِ بَيْنَ الصُّفوف، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ بيضَاء وَقَالَ: تصدَّقُوا عليَّ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عرفتُمْ.

وَأَرَادَ أَنْ يشنِّع عَلَى الخَلِيْفَة المُسْتَكْفِي، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيُّ، فَأَعطَاهُ أَلف دِرْهَم، فمنعُوهُ مِنَ الخُرُوج (٣) .

ثمَّ مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سنَةً، وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَد: عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو القَاسِمِ، وَأَبُو الفَضْلِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ (٤) .

وَوَزَرَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ مقلَةَ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ، ثُمَّ الخَصيبِيّ.

ونَفَّذَ عَلَى إِمْرَة مِصْرَ أَحْمَد بنُ كَيَغْلَغ، إِذْ تُوُفِّيَ أَمِيْرُهَا تِكِين الخَاصَّة (٥) .


(١) أي: من إكرامه له.
(٢) " مروج الذهب ": ٢ / ٥٢٨.
(٣) " المنتظم ": ٦ / ٢٦٥.
(٤) " تاريخ الخلفاء ": ٣٩٠.
(٥) تقدمت ترجمته رقم / ٥٥ / من هذا الجزء.