للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ الدُّقِّيِّ (١) ، كَانَ مِنَ المجتهدينَ فِي العِبَادَةِ.

قَالَ الدُّقِّي: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُظهر الغِنَى مثلَه، يَلْبَسُ قمِيصين أَبيضين، وَرِدَاءً وَسرَاويل وَنَعْلاً نظيفاً، وَعِمَامَةً، وَفِي يَدهِ مِفْتَاح، وَلَيْسَ لَهُ بَيْتٌ، بَلْ ينطرحُ فِي المَسَاجِدِ، وَيطوِي الخمسَ ليَالِي وَالسّتّ (٢) .

وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرُّسْتُمِيّ: كَانَ الفَرْغَانِيُّ نسيجَ وَحْدِه، مَعَهُ كوز، فِيْهِ قَمِيْصٌ رقيقٌ، فَإِذَا أَتَى بَلَداً لَبِسَه، وَمَعَهُ مِفْتَاح منقوشٌ يطرحهُ إِذَا صَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، يوهِم أَنَّهُ تَاجر.

عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ بَكْر: حَدَّثَنَا الدُّقِّيّ، سَمِعْتُ الفَرْغَانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ دير طور سِينَاء، فَأَتَانِي مُطرَانهُم بِأَقوَامٍ كَأَنَّهُم نُشرُوا مِنَ القُبُوْر.

فَقَالَ: هَؤُلاَءِ يَأْكُلُ أَحَدُهُم فِي الأُسْبُوْع أَكلَة يفخرُوْنَ بِذَلِكَ.

فَقُلْتُ: كم صَبْرُ كبيرِكُم هَذَا؟

قَالُوا: ثَلاَثِيْنَ يَوْماً.

فَقَعدتُ فِي وَسطِ الدَّير أَرْبَعِيْنَ يَوْماً لَمْ آكل وَلَمْ أَشربْ (٣) .

فَخَرَجَ إِلَيَّ مُطْرَانهُم وَقَالَ: يَا هَذَا قُمْ، أَفسدتَ قُلُوْبَ هَؤُلاَءِ.

فَقُلْتُ: حَتَّى أُتِمَّ سِتِّيْنَ يَوْماً، فَأَلَحُّوا فَخَرَجت (٤) .

تُوُفِّيَ الفَرْغَانِيُّ سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.


(١) هو محمد بن داود، الدقي، من كبار الصوفية، توفي بالشام سنة / ٣٦٠ / هـ. انظر " طبقات الصوفية ": ٤٤٨ - ٤٥٠.
(٢) " طبقات الأولياء ": ٣٠٣.
(٣) لا يعقل أن يبقى الإنسان حيا إذا امتنع أربعين يوما عن الطعام والشراب، وقد شاهدنا في عصرنا غير واحد قد صام أربعين يوما عن الطعام دون الشراب طلبا للاستشفاء، وتحت إشراف الاطباء، وسواء أصحت هذه الحكاية أم لم تصح، فليس هذا مما يحمده الإسلام ويرغب فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويفطر.
(٤) " النجوم الزاهرة ": ٣ / ٢٧٩ - ٢٨٠، وما بين حاصرتين منه.