للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحو، ورغب الناس في السماع منه، وكانت أوقاته معمرة بالتدريس والإفادة والتأليف، كتب بخطه كثيراً من الكتب، وعلق ستين جزءاً وسماها بالتعليقات، كل جزء منها مشتمل على مؤلفات كثيرة، أكثرها من جمعه وبعضها لغيره، ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي، وكانت أوقاته معمورة كلها بالعلم، والعبادة، وله مشاركة في سائر العلوم، حتى في التعبير والطب، وحدثني الشيخ المسلك أحمد ابن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان الشلاح الصوفي قال: كنت عند والدي فدخل عليه الشيخ شمس الدين بن طولون زائراً، فلما جلس تقدم رجل من الفقراء، فقص على الوالد أنه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أسود اللون فقال الشيخ سليمان: هنا مولانا الشيخ شمس الدين يعبر لك هذه الرؤيا، فقال الشيخ شمس الدين: هذه الرؤيا تدل على أن الرائي مبتدع مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السواد غير صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والرؤيا تمل على حال الرائي، فالظاهر أنه على غير السنة، فاستعاذ الرجل من ذلك وقال: ليس في عقيدتي شيء من ذلك فقال له الشيخ: لا بد لك أنك مخالف للسنة في شيء، فلا بد أن تتوب منه فقال: ما أعرف من نفسي شيئاً من ذلك إلا أنه ربما تشاغلت عن الصلاة فقال: هو ذلك فإن الصلاة عمود الدين وأي مخالفة للسنة أعظم من ترك الصلاة، فاستعبر الرجل وأخذ عليه الشيخ العهد على التوبة، وقد أخذ عن الشيخ شمس الدين بن طولون جماعة من الأعيان، وبرعوا في حال حياته كالشيخ شهاب الدين الطيبي شيخ الوعاظ، والمحدثين، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين، والشيخ نجم الدين البهنسي، خطيب دمشق، وممن أخذ عنه آخراً شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل النابلسي، مفتي الشافعية، وشيخنا الشيخ العلامة زين الدين ابن سلطان مفتي الحنفية، وشيخ الإسلام شمس الدين العيثاوي، مفتي الشافعية الآن، فسح الله تعالى في مدته، وشيخ الإسلام شهاب الدين الوفائي مفتي الحنابلة، الآن نفع الله تعالى به وقريبه القاضي أكمل بن مفلح وغيرهم، وكان الشيخ شمس الدين - رحمه الله تعالى - ربما نظم الشعر، وليس شعره بذاك على قلته، ومن جيده قوله ملمحاً بالحديث المسلسل بالأولية:

إرحم محبك يا رشا ... ترحم من الله العلي

فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأولي

ورأيت بخط بعض الفضلاء أن من شعره رحمه الله تعالى:

ميلوا عن الدنيا ولذاتها ... فإنها ليست بمحموده

<<  <  ج: ص:  >  >>