للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكاتبة وأمره بالمهاجرة خفية، فهاجر إلى البلاد الرومية، ثم انتهى.

وذكر صاحب الشقائق أنه لما دخل الروم في هذه المقدمة، كان في زمن السلطان سليم، فاجتمع به وحرضه على قتال عساكر في الرافض قزلباش، وألف له كتاباً في الغزو وفضائله، نفيساً جداً، وذهب معه إلى حربهم، وكان يعظ الجند في الطريق، ويحرضهم على الجهاد خصوصاً لتلك الطائفة والسلطان يكرمه، ويحسن إليه فلما التقى الجمعان، وحمي الوطيس أمره السلطان بالدعاء، وهو يؤمن، فانهزم العدو وفتحت تبريز حينئذ، ثم سار الشيخ إلى ولاية روم إيلي، فوعظ أهلها، ونهاهم عن المعاصي، وأمرهم بالفرائض، فانصلح به كثير من الناس، وبنى جامعاً في مدينة سراي ومسجداً آخر في أسكوب، وأقام هناك عشر سنين، وأسلم على يديه كثير من الكفار، وغزا مع السلطان سليم أيضاً، أنكروس في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودعا له حال القتال، فجاء الفتح، ثم انتقل إلى بروسا، وسكن بها وشرع في بناء جامع كبير فتوفي بها قبل إتمامه، وعمر وولد له قريب من مائة نفس، وألف كتباً ورسائل غير ما تقدم وخصوصاً في الكيمياء، ووصل إليها وكان له احتياط في مأكله ومشربه، ونفقته، وكان يختار لذلك ما يفتح به عليه من التجارة، لأنها من أطيب ما أكل الرجل منه، كما في الحديث وكان يحفظ أحاديث كثيرة، وله قدرة على التفسير من غير مطالعة، وكان دأبه في يوم الجمعة أن يتكلم على ما يقرأه الخطيب في الصلاة بخطبة بليغة، ووجوه مختلفة، وعلوم جمة، قال ابن الحنبلي: وكان له قوة حافظة لا نظير لها بحيث حكى لنا شيخنا الشهاب الأنطاكي أنه سأله عن حالته في الحفظ، فذكر له أنه إذا مر على الكراسة التي تكون في خمسة وعشرين سطراً مرة واحدة فإنه يحفظها، ويفهم مضمونها قال: وكان محدثاً مفسراً جامعاً لفضائل شتى، سالكاً طريق السنة في إرخاء العذبة، وكانت عذبته طولى، يرخيها وراء ظهره قال: ومما بلغني أن جده الشيخ حمزة كان يقرأ الكشاف في حلب، وكان إذا أجري ذكر مؤلفه قال رحمه الله: إن كان مستحقاً للرحمة انتهى.

وفي نفس الأمر كان صاحب الترجمة آية من آيات الله، وأعجوبة من عجائب الدهر.

أمات بدعاً كثيرة، وأحي سنناً كثيرة، وانتفع به خلائق كثيرة، وكانت وفاته في رابع المحرم سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ببروسا، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة حادي عشر رمضان منها رحمه الله تعالى.

[محمد بن عمر السفيري]

محمد بن عمر، بن أحمد الشيخ العلامة شمس

<<  <  ج: ص:  >  >>