للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخوانه. ودخلوا مكاناً ينزعون فيه نعالهم يجمعها كلها في خرج معه، ويحملها على عاتقه إلى موضع لبس النعال، فيقدم لكل واحد نعله، ولا يمكن أحداً من حمل نعل نفسه، وكان شديد التعظيم للمساجد. لا يتجرأ أن يدخل مسجداً إلا تبعاً لغيره، ويقول: مثلنا لا ينبغي له أن يدخل حصر الله على الناس، وكان كذلك شيخه الخواص - رحمها الله تعالى - وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور. قال: سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني. فأبى علي، وكان يقول: أعطاني الله تعالى أنه لا يقع بصري على حب فيسوس، وجرب ذلك فيه. قال الشعراوي - رحمه الله تعالى -: ووقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قط مع أحد من الأشياخ إذا جالسته، وشرح ضمني إلى مكان أو كلام يقول لي: ارجع بقلبك من الشيء الفلاني، فيعرف ما شرح قلبي إليه، وكننت إذا ورد علي شيء من الحقائق في ليل أو نهار، وأردت أن أقوله له يقول لي: قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد علي حرفاً بحرف، وتارة يأتيني بورقة في عمامته، ويقول: هذا كلام ورد علي الليلة، فحرر علي مصطلح النحاة، فإني لا أعرف أنطق بالنحو. قال: وورد علي كلام بالليل. وكتبته. فبينما أنا أقرأه للفقراء إذ دخل. فقال: اسمعوا هذه الورقة، فقابلناها عليها، فلم يخطيء حرفاً واحداً.

قال: وسألني مرة الأمير محيي الدين ابن أبي الإصبغ دفتر دار مصر. كان وهو محبوس في الغرقانه أن أسأل الله تعالى في إطلاقه من السجن، فتوجهت إلى الله تعالى في تلك الليلة في الأسحار، وسألت الله تعالى في إطلاقه، فجاءني الأخ المذكور، وقال: ضحكت عليك، وأنت تدعو للأمير محيي الدين بالخلاص، ودعاؤك يصعد سبعة أذرع إلى السماء، ويرجع وقد بقي من مدة حبسه خمسة أشهر، وسبعة أيام، فلو كنت شاطر مصر لا تقدر على إخراجه حتى تمضي هذه المدة، وكان الأمر كذلك. وقال في الطبقات الكبري: حج سيدي أبو الفضل مرات على التجريد، فلما كان آخر حجة كان ضعيفاً. فقلت له: في هذه الحالة تسافر. فقال: لترابي فإن نطفتي مرغوها في تربة شهداء بدر، وكان كما قال، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وحكى عنه في الوسطى أنه قال: إنما أسافر لترابي لا للحج، فقلت: كيف. فقال: قد قرب أجلي وترابي في تربة بدر عند مسجد العمائر، فكان الأمر كما قال: وأورد الشعراوي من كلامه وأحواله كثيراً في الطبقات الكبرى والوسطى، وأشار إلى أنه ذكرها أبسط مما فيهما في كتابه المسمى بالمنن والأخلاق.

[أبو الفضل بن الرملي]

أبو الفضل بن الرملي الإمام تقدم في المحمدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>