للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان رحمه الله تعالى لا يمر بسوق ولا شارع ولا محلة إلا والناس يقبلون عليه ويقبلون يديه، ويلتمسون بركته، ويتبسم في وجه كل واحد منهم، ويلاطفهم، وكان له نظر خارق في رؤية الآثار، وسماع الأطيار، وملاحظة القدرة في الثمار والأزهار، وكانت مقاصده حسنة، ومشاهدة جميلة، وألف منظومة رائية في أسماء الكواكب الثابتة، ومنظومة أخرى لامية جمع فيها قراءة أبي جعفر سبط أبي الأصبهاني، واختصر المنهج في كتاب سماه النهج ولم يتم، ولم أقف عليه، ولم يكثر من التصنيف لاشتغاله بقراءة كتب والده، وكتابتها، ومقابلتها، ومساعدته في تحرير كثير منها حتى كان الشيخ يرجع إلى قوله في بعضها، وكان مشتغلاً أيضاً بالنفع والإفادة والإقراء، ودرس بالقيمرية البرانية وبالشامية الجوانية، وولي إمامة الشافعية الأولى بالجامع الأموي، وانتفع به أكثر الفضلاء كالشيخ تقي الدين بن الحكيم، والعلامة درويش بن طالوا، والشيخ حسن البوريني، والشيخ محمد الصالحي، والشيخ محيي الدين البكري، والشيخ تاج الدين القرعوني، والشيخ شمس الدين الميداني، والشيخ علاء الدين الدهيناتي والشيخ العلامة فخر الدين السيوفي، والشيخ بركات بن الجمل إمام المغيربية والشيخ موسى السيوري وآخرين، وصحب جماعة من العلماء الصالحين منهم الشيخ مسعود المغربي، والشيخ احمد بن سليمان، والشيخ عبد القادر بن سوار، وكان الناس لا ينكرون ولايته، بل كانوا جازمين بأنه من كمل العارفين. وحدثني الشيخ يوسف النوري، وكان من جماعته قال: كنا بين يدي الشيخ شهاب الدين في الجامع الأموي في بعض الليالي، فتذاكرنا في مناقب أولياء الله تعالى فقال: إن لله تعالى عباداً قطع الشوق أكبادهم، وملأ الحب فؤادهم وبكى وانتحب قال: فلما قام الجماعة، وخلوت بالشيخ قلت له: يا سيدي بالله الذي لا إله غيره أنت من هؤلاء الذين ذكرتهم، فقال: أي والله يا يوسف، وحدثني المذكور قال: كان سيدي الشيخ شهاب الدين كثيراً ما ينشد:

ياخليلي عدّيا ... عن حديث المكارم

منك فى الناس شره ... فهو في جود حاتم

وكان له كرامات كثيرات، وخوارق عادات، وحدثني الشيخ محيي الدين البكري وكان ثقة فاضلاً. قال: كنا في مجلس الشيخ شهاب الدين، وهو يتكلم في الأخلاص، وعدم ملاحظة الخلق من كتاب الإحياء للغزالي، فمر على مجلسه قاضي قضاة الشام إذ ذاك، فسلم فرد عليه السلام، ولم يقم من مجلسه، ثم لما فرغ قال: أراد الله تعالى أن يمتحنا في هذه الساعة بمرور هذا الرجل علينا، فثبتنا بفضل الله تعالى، ولم نزده على رد السلام الواجب، وكان رحمه الله تعالى يقرأ في إحياء علوم الدين في آخر النهار في كثير من الأيام، وكان لا

<<  <  ج: ص:  >  >>