للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: الحرف الذي يدعي في العربية وينسب إلى الأدب موروث من العرب، وذلك أن أرضها ذات جدب، والخصب فيها عارض، وهم من أجل ذلك أصحاب فقر وضر، وربما دفعوا إلى وصال وطي وكل من تشبه بهم في كلامهم وطريقتهم وعبارتهم إرتضخ ما هو غالب عليهم من الحرف والإخفاق اللذين عليهما إلفهم، ألا ترى أن الشبع غريب عندهم، والرعب مذموم منهم؟ وهذه هي الحال التي فرقت بين الحاضرة والبادية، وقد زادتهم جزيرتهم شراً لكنهم عوضوا الفطنة العجيبة، والبيان الرائع، والتصرف المفيد، والاقتدار الظاهر، لأن أجسامهم نقيت من الفضول، ووصلوا بحدة الذهن إلى كل معنى معقول، وصار المنطق الذي بان به غيرهم بالاستخراج مركوزاً في أنفسهم من غير دلالة عليه بأسماء موضوعة وصفات متميزة، بل فشا فيهم كالإلقاء والوحي، لسرعة الذهن وجودة القريحة.

وقلت له: قد صنف أبو اسحق الصابي رسالة في تفضيل النثر والنظم؟ فقال: قد كان منذ أيام سألني عنهما فقلت له: النثر أشرف جوهراً، والنظم أشرف عرضاً. قال: وكيف؟ قلت: لأن الوحدة في النثر أكثر، والنثر إلى الوحدة أقرب. فمرتبة النظم دون مرتبة النثر، لأن الواحد أول والتابع له ثان.

فقلت له: فلم لا يطرب النثر كما يطرب النظم؟ فقال: لأنا منتظمون، فما لاءمنا أطربنا، وصورة الواحد فينا ضعيفة ونسبتنا إليه بعيدة، فلذلك إذا أنشدنا ترنحنا، هذا في أغلب الأمر وفي أعم الأحوال، أو في أكثر الناس. وقد نجد مع ذلك أيضاً في أنفسنا مثل هذا الطرب والأريحية والنشوة والترنح عند فصل منثور، وما يهدي لهذا

<<  <   >  >>