للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فهذا مبحث فيما يتعلق باللوح والقلم قال: ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه رقم يعني: بجميع ما كتب به القلم، القلم قلم القدر والقلم هو القلم في اللغة ما يكتب بهن والمراد به هنا شرعا القلم الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ المقادير، واللوح في اللغة ما يكتب عليه والمراد به شرعا اللوح الذي كتب الله مقادير الخلائق فيه، والأدلة على ثبوت اللوح والقلم كثيرة منها قول الله -تعالى-: {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢) } وفي الحديث الذي رواه الطبراني بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء كفتاه ياقوتة حمراء قلمه النور وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة يخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء) الحديث رواه الطبراني بسند ضعيف.
ولكن قول الله -تعالى-: {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢) } يكفي وكذلك قول الله -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) } قال -سبحانه-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠) } هذا الكتاب هو اللوح المحفوظ ومن الأدلة من السنة حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال يا رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) والحديث صحيح ثابت.
واختلف العلماء في القلم والعرش أيهما أسبق في الوجود على قولين ذكرهما الحافظ أبو العلاء الهمداني أصحهما أن العرش كان قبل القلم.
والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ووجه الدلالة أن الحديث صريح أن التقدير إنما وقع بعد خلق العرش فدل على أن العرش مخلوق قبل القلم والتقدير وقع عند أول خلق القلم بلا مهلة يعني: أن الله يعني: أن الله أول ما خلق القلم كتبت فيه المقادير لما رواه أبو داود لما روى أبو داود عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب) الحديث يعني: أنه عند أول خلقه القلم قال له اكتب بدليل الرواية الأخرى (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) بنصب أول على الظرفية ونصب القلم على المفعولية فيكون قوله (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) جملة واحدة، وأما على رواية رفع الأول والقلم أول ما خلق الله القلم فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم المحسوس المشاهد من هذا العالم ويكون قوله: (أول ما خلق الله القلم وقال له: اكتب) جملتان ليتفق الحديثان.
إذ حديث عبد الله بن عمرو أفاد أن العرش سابق على التقدير وحديث عبادة بن الصامت أفاد أن التقدير مقارن لخلق القلم يوضحه اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له اكتب فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فهي توضح أن الأولية بالنسبة للكتابة قد ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية الخلاف في العرش والقلم أيهما خلق أولا واختار أن العرش مخلوق أولا فقال -رحمه الله-:
والناس مختلفون في القلم الذي *** كتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمداني
والحق أن العرش قبل؛ لأنه *** قبل الكتابة كان ذا أركان
فرجح أن العرش مخلوق قبل القلم؛ لأنه قبل الكتابة والعرش كان ذا أركان يعني: موجود وأقلام المقادير التي وردت في السنة:
أولا: القلم العام الشامل لجميع المخلوقات وهو الذي كتب به في اللوح المحفوظ المقادير هذا القلم العام الشامل لجميع المخلوقات وهو الذي كتب به في اللوح المحفوظ المقادير وما بعده من الأقلام كلها مأخوذة منه وتوافقه.
الثاني: القلم الثاني خبر خلق آدم وهو قلم عام أيضا لكن لبني آدم وورد فيه آثار تدل على أن الله قدر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم عقيب خلقهم.

<<  <   >  >>