للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليما إيمانا وتصديقا وتسليما


نعم ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم الله موسى تكليما، في هذا ثبوت الخلة لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، وثبوت التكليم لموسى -عليه الصلاة والسلام-.
والدليل على إثبات صفة الخلة من الكتاب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) } وليست الخلة خاصة بإبراهيم كما قد يوهم البعض كلام المؤلف، صدق الكلام على قول المؤلف وحبيب الرحمن.
وقلنا: إن الرسول له وصف الخلة، وإن كلام المؤلف الطحاوي يوهم بأن الخلة لن تثبت لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قاله بعض الناس، والصواب أنها ثابتة لنبينا صلى الله عليه وسلم كما في الحديث (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) فالخلة ثابتة لإبراهيم ولمحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والخلة بالنسبة للرب صفة تليق بجلال الله وعظمته، كما أن التكليم ثابت لموسى -عليه الصلاة والسلام-، وليس خاصا بموسى بل شارك نبينا صلى الله عليه وسلم موسى في صفة التكليم، فإن الله كلم نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من دون واسطة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) } وفي الحديث الآخر: (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) فهذان الحديثان يبطلان قول من قال: الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد -عليهما الصلاة والسلام-، ويثبتان لنبينا صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المحبة، وهي الخلة، بل الخلة خاصة بالخليلين الخلة خاصة بالخليلين بمحمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
أما المحبة فهي عامة كما سبق، ككل المتقين ككل المتطهرين {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) } {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) } والخلة هي كمال المحبة المستغرقة للمحب، ومن كمالها أنها لا تقبل الشركة ولا المزاحمة، وسميت خلة لتخللها شغاف القلب كما قيل:-
قد تخللت مسلك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلا
والنسبة بين الخلة والمحبة العموم والخصوص، فالخلة أخص من مطلق المحبة، والمحبوب بها لكمالها يكون محبوبا لذاته، لا لشيء آخر إذ المحبوب لغيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير، ففيها كمال التوحيد وكمال الحب، فنبينا صلى الله عليه وسلم له كمال التوحيد وكمال الحب، وكذلك إبراهيم.
والمحبة والخلة بالنسبة للرب -سبحانه وتعالى- كسائر صفات الله كما يليق بجلال الله وعظمته، والجهمية أنكروا حقيقة المحبة والخلة من الجانبين من جانب الله ومن جانب العبد، قالوا: شبهتهم في ذلك قالوا: المحبة لا تكون إلا لمشاكلة ومناسبة بين الحب والمحبوب، هذه شبهة لا تكون إلا لمناسبة لمشاكلة ومناسبة بين الحب والمحبوب ولا مناسبة بين القديم والمحبوب توجب المحبة، لا مناسبة بين المخلوق والخالق، وهذا باطل أي أعرف مناسبة رب عبد، فالرب -سبحانه وتعالى- مربي خلقه مربيهم بنعمه، والعبد يعبد الله لذاته هذه مناسبة، فقولهم: لا مناسبة هذا من أبطل الباطل.
والجهمية يقولون: إن معنى الخليل ليس معناها المحب، معنى الخليل الفقير المحتاج، ولا شك في فساد هذا التأويل، إذ لا يكون حينئذ لتخصيص إبراهيم بالخلة معنى، فإن الفقر والاحتياج وصف لازم لجميع الخلق لزوما ذاتيا لا يمكن الانفكاك عنه، لو كان معنى الخلة الفقر كان كل الناس فقراء إلى الله، ما في أحد ما هو فقير كل المخلوقات، وبذلك يكون وصف الخلة متناولا لجميع الناس حتى عبدة الأوثان الذين هم ألد أعداء الرحمن فقراء إلى الله.
وكذلك أنكرت الجهمية حقيقة التكليف تكليف الله لبعض عباده من وراء حجاب، كما هو ثابت لموسى -عليه الصلاة والسلام-، وكما ثبت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وزعموا أن تكلم الله لموسى، إنما هو تكليم خلقه في الشجر أو في الهواء، تعالى الله عما يقولون علو كبيرا. نعم.

<<  <   >  >>