للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما التعريفات السابقة، فكلها منتقدة، فمن قال: إن الكبائر سبع أو سبعة عشر أو سبعمائة أو سبعون، نقول: الجواب هذا مجرد دعوى وتحكم لا دليل عليه، ومن قال: إن الكبيرة لا تعلم أصلا أو أنها مبهمة أو أنها أخفيت كليلة القدر، نقول: إنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره، ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة إلي ما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، فإنه يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر.

ومن قال: الكبيرة هي ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت، يقتضي أن شرب الخمر والفرار من الزحف والتزوج ببعض المحارم والمحرم بالرضاعة والصهرية ونحو ذلك ليس من الكبائر، مع أنها من الكبائر؛ لأن الشرائع لم تتفق على تحريمها، وأن الحبة من مال اليتيم والسرقة لها، والكذبة الواحدة الخفيفة ونحو ذلك من الكبائر باتفاق الشرائع على تحريمها مع أنها من الصغائر، وهذا فاسد.

ومن قال: الكبيرة ما سد باب المعرفة بالله، أو قال: الكبيرة ذهاب الأموال والأبدان، فإنه يقتضي أن شرب الخمر وأكل الخنزير والميتة والدم وقذف المحصنات ليس من الكبائر مع أنها من الكبائر، وقد يقترن بالكبيرة ما يلحقها بالصغيرة، وقد يقترن بالصغيرة ما يلحقها بالكبيرة، فقد يقترن بالكبيرة من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغيرة، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبيرة.

وهذا أمر مرجعه إلي ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه. نعم.

(وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النار لا يخلدون)

هذا يريد الطحاوي ينتقد بقوله: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون، ناقش ابن أبي العز قال: قوله: "من أمة محمد" هذا يدل على أن أهل الكبائر قبل أمة محمد يعذبون في النار، وهذا ليس عليه دليل، بل النصوص دلت على أن الكبائر من هذه الأمة وغير الأمة لا يخلدون في النار، فقول الطحاوي: من أمة محمد، هذا القيد ليس عليه دليل، بل أهل الكبائر لا يعذبون سواء كانوا من أمة محمد أو من غير أمة محمد. نعم.

<<  <   >  >>