للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قبل أن نبدأ في حكم الصلاة خلف البر والفاجر، أحب أن أنبه على مسألة مرت بالأمس، وهي تتعلق بمن أتى ناقضا من نواقض الإسلام، وذلك أننا قلنا: إن المرجئة يقولون: لا يكفر إلا الجاحد بالقلب، قلنا: إن هذا خطأ، وأن الكفر يتنوع فيكون بالقلب والاعتقاد، ويكون باللسان بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالشك، ويكون بالترك، ولكن لا بد من شروط لمن يفعل الكفر حتى يحكم عليه بالكفر، لا بد من شروط.
قلنا: إن من شروطه العلم أن يكون عالما بما يقول، فإن كان جاهلا ومثله يجهل، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، ولا بد أيضا أن يكون مختارا، فإن كان مكرها فلا يكفر، إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ولا بد من القصد، فإن لم يقصد الفعل، فإنه لا يكون كافرا، لا بد أن يقصد السجود لصنم لا بد أن يقصد التكلم بكلمة الكفر، ولا يشترط أن يعتقد ذلك بقلبه، لكن لا بد من القصد، فإن قالها من غير قصد، فلا يكفر.
فمثلا المجنون ما عنده قصد، لو تكلم بكلمة الكفر لا يكفر السكران ليس عنده قصد، والصغير فاقد العقل ليس عنده قصد، الذي سبقت لسانه وهو لم يقصد الكلمة عن جهل كالشخص الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) هذا ما قصد، فلا بد من هذه الشروط، والمرجئة يركزون على الآية {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} قالوا: لا بد من القلب فالجاهل لا بد فيه من القلب، والمكره لا بد فيه من القلب، والمتكلم لا بد فيه من القلب.
وهذا خطأ الكفر كما سبق يتنوع يكون بالاعتقاد كما لو اعتقد أن لله صاحبة وولدا، كما لو جحد ربوبية الله، أو جحد أسماءه أو جحد صفة من صفاته، أو جحد ألوهيته وعبادته، أو جحد تحريم الزنا أو تحريم الخمر أو تحريم الربا، وما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو جحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، كل هذا جاحد، لكن أيضا يكفر المتكلم بكلمة الكفر، ولو ما اعتقد بقلبه لو سب الله أو سب الرسول أو سب الدين أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه، كفر بهذا النطق ولو لم يقصد. المهم يقصد القول ولو لم يعتقد بقلبه، كذلك الفعل إذا سجد للصنم، ولو لم يقصد بقلبه.
المرجئة يقولون هذا دليل على الكفر، والصواب أنه نفس السجود، كفر لكن بشرط أن يقصد يكون له قصد،أما إذا لم يقصد الفعل، فإنه لا ينسب إليه القول إذن لا بد من القصد قصد الفعل، ولا بد من العلم ولا بد من الاختيار، فإذا وجدت هذه الشروط، فإنه يكفر الشخص سواء كان الكفر الذي فعله اعتقادا أو شكا أو نطقا أو فعلا أو تركا، كما لو ترك الدين لا يتعلم، ولا يعبد الله فيكفر بهذا الترك قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) } .
أما هذه المسألة، وهي الصلاة خلف الفاسق، يقول الطحاوي -رحمه الله-: "ونوى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة"، هذه المسألة من أصول أهل السنة والجماعة، الصلاة خلف كل بر وفاجر، خلافا لأهل البدع، فإن أهل البدع لا يصلون خلف أئمة الجور، لا يصلون خلف الفساق لأن الفاسق كافر عند الخوارج، وعند المعتزلة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، وعند الرافضة أيضا لا يصلون خلف الفاسق؛ لأنهم لا يرون إلا الصلاة خلف المعصوم.
فإذن من أصول أهل السنة والجماعة الصلاة خلف الفسقة وأئمة الجور إذا كان ولاة الأمور فساقا أو جائرين، تصلى الجمعة والجماعة والعيد خلفهم، خصوصا إذا لم يكن هناك إمام غيرهم، كإمامة مثل الجمعة في البلد الذي ليس فيه إلا جمعة واحدة، وإمامة العيد وإمامة الحج بعرفة إذا لم يكن هناك إلا فاسق صحت الصلاة خلفه، بل تجب الصلاة خلفه ومن صلى وحده وترك الصلاة خلف الفاسق في هذه الحالة، فهو مبتدع عند أهل السنة والجماعة.
وهذا من أصول أهل السنة والجماعة التي خالفوا بها أهل البدع، ولذلك أدخلها العلماء في كتب العقائد الصلاة، هذه مسألة فرعية حكم الصلاة، لكن العلماء أدخلوها في كتب العقائد للرد على أهل البدع الخوارج والمعتزلة والرافضة لا يصلون خلف الفسقة وأئمة الجور؛ لأن الخوارج يكفرون الفاسق فلا يصلون خلفه.
والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر.

<<  <   >  >>