للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرافضة لا يصلون إلا خلف الإمام المعصوم، فأهل السنة والجماعة يخالفون هؤلاء أما إذا لم يكن الإمام إمام الجمعة وإمام العيد، وليس إمام المسلمين إماما عاديا، وهو فاسق فهل تصلى خلفه، أولا تصلى خلفه إذا وجدت إماما فاسقا وإماما غير فاسق ثم صليت خلف الفاسق، وليس هناك ولا يترتب على هذا مفسدة يصلى خلف الفاسق في حالتين.

الحالة الأولى: إذا كان إمام المسلمين، وليس للناس إمام غيره يصلي خلفه الجمعة والعيد والحج بعرفة، ومن صلى وحده وترك الصلاة خلفه، فهو مبتدع عند أهل السنة، الثاني: إذا كان هناك إمام غيره، ولكن إذا تركت الصلاة خلفه ترتب على ذلك مفسدة، كأن يحصل انشقاق للمسلمين، ويحصل فتن وإحن، فهل في هذه الحالة تصلى خلفه، أما إذا كان هناك إمام غيره، ولم يحصل مفسدة وصليت خلفه وتركت الصلاة خلف العدل، فاختلف العلماء في صحة الصلاة وعدمها، فالحنابلة والمالكية يرون أن الصلاة غير صحية، وإذا صليت خلف الفاسق، فإن الصلاة باطلة وتعيد الصلاة.

وذهب الشافعية والأحناف إلي أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، وهذا هو الصواب، الصواب أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، والدليل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم - يعني أئمة لكم - فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم) فهذا الحديث نص صحيح صريح في أن الإمام إذا أخطأ فخطؤه على نفسه، وأما المأموم فليس عليه شيء من خطئه.

وكذلك أيضا ثبت عن الصحابة أنهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان فاسقا ظالما وصلى الصحابة خلف عقبة بن أبي معيط، وكان أميرا للكوفة من قبل عثمان - رضي الله عنه - كان فاسقا يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الفجر، وهو سكران فصلى بهم الصلاة أربعا، ثم التفت عليهم، فقال هل تريدون أن أزيدكم، فقال المسور مازلنا معك منذ اليوم في زيادة، ثم أعاد الصلاة، ورفع أمره إلي الخليفة، فجلده وعزله.

وكذلك أيضا ثبت في صحيح البخاري (أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان محصورا، قد أحاط به الثوار وأحاطوا ببيته لقتله هم فساق هؤلاء الثوار، ثم حضرت الصلاة فتقدم رجل من الثوار يريد أن يصلى بالناس فجاء شخص وسأل أمير المؤمنين عثمان فقال له: يا خليفة رسول الله يا خليفة، أيها الخليفة، يا أمير المؤمنين، إن الصلاة تقام الآن وسيصلي بنا رجل من الثوار، وهو فاسق فهل نصلي خلفه، فقال يابن أخي: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) هذه النصوص تدل على أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، ولا تعاد، ولكن لا شك أن الصلاة خلف العدل أولى.

وأما الذين قالوا: لا تصح فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق فقد أقره على المنكر الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر، لم ينه عنه فلا تصح الصلاة.

وأما الذين قالوا لا تصح، فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق، فقد أقره على المنكر، الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها، فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر لم ينه عنه، فلا تصح الصلاة.

ولكن هذه المسألة، وهي كونه متلبسا بمنكر مسألة مهمة تحتاج إلى تقعيد، وهي القاعدة إذا عرفها طالب العلم استفاد فائدة عظيمة، وهي كون النهي المنهي عنه، هل هو متعلق بذات المنهي، أو بشيء خارج عنه؟ فإذا كان النهي متعلقا بذات المنهي، دل على فساد هذا المنهي عنه، وإذا كان النهي متعلقا بشيء خارج عن المنهي عنه؛ فإن الصلاة صحيحة هذا هو الذي عليه الحق، وعليه الجمهور.

نطبق هذه القاعدة: مثلا على الصلاة في الدار المغصوبة، شخص دخل في دار مغصوبة وصلى فيها هل تصح الصلاة أو لا تصح؟ أو شخص غصب ثوبا ولبسه وصلى فيه، أو شخص لبس ثوب حرير وصلى فيه، أو شخص حمل صورة وصلى فيها، هل تصح أو لا تصح؟ المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، كما سنقول. الحنابلة والمالكية يرون الصلاة باطلة؛ لأن الإنسان إذا صلى في ثوب مغصوب، أو في دار مغصوبة أو في ثوب عليه صورة الصلاة باطلة؛ لأنه متلبس بشيء منهي عنه. والقول الثاني: أن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأن الصلاة اجتمع فيها شيء، فله ثواب الصلاة، وعليه إثم الغضب إذا صلى في دار مغصوبة نقول: لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الغصب صل في ثوب حرير لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الحرير صل في ثوب فيه صورة لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الصورة. واضح هذا.

لكن لو كان النهي متعلقا بذات المنهي عنه، كما لو صلى في ثوب نجس، هل تصح الصلاة؟ لا تصح الصلاة؛ لأن الصلاة منهي عنها بالثوب النجس؛ لأنه يشترط لصحة الصلاة أن يكون الثوب طاهرا، والبقعة طاهرة، والجسم طاهرا، فإذا تلبست بالنجاسة ما صحت الصلاة؛ لأن هذا يتعلق بذات المنهي عنه، والصلاة منهي عنها إذا كان الإنسان متلبس بنجاسة.

<<  <   >  >>