للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين


نعم وهذا من معتقد أهل السنة الإيمان بملك الموت، وأن الله وكله بقبض أرواح العالمين قال الله تعالى: {* قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} وإضافة النفس جاء في القرآن، إضافة التوفي إلى ملك الموت كقول الله تعالى: {* قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) } وجاء إضافته إلى رسل الله، الملائكة -أيضا- كقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) } وجاء إضافة التوفي إلى الله كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولا تعارض بين هذه الإضافات؛ لأن الإضافة إلى كل بحسبه، فأضيف التوفي إلى ملك الموت؛ لأنه تولى قبضها واستخراجها من البدن، وأضيف إلى الرسل؛ لأن ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب تأخذها من ملك الموت، ويتولونها بعده، وأضيف إلى الله؛ لأن كل ذلك بإذن الله وقضائه وقدره وحكمه، وأمره، فتضمنت الإضافة إلى كل بحسبه. نعم.
اختلف الناس في الروح ما هي؟ وهل الروح هي الحياة أو غيرها؟
فقيل: هي جسم، وقيل: عرض، وقيل: لا ندري ما الروح أجوهر أم عرض؟ واستدلوا بقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ولم يخبر عنها ما هي لا أنها جوهر، ولا عرض.
وذهب "الجبائي" من المعتزلة: إلى أن الروح جسم، وأنها غير الحياة، والحياة عرض، واستدل بقول أهل اللغة: خرجت روح الإنسان. وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.
وقيل: ليست الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع التي هي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولم يثبتوا في الدنيا شيئا إلا الطبائع الأربع، وقال قائلون: الروح معنى خامس غير الطبائع الأربع، وليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع والروح.
وقيل: الروح الدم الصافي الخالص من الكدرة، وقيل: الروح هي الحرارة الغريزية، وهي الحياة، وقيل: الروح جوهر بسيط منبعث في العالم كله من الحيوان على جهة الإعمال له والتدوير، وهي على ما وصفت من الانبساط في العالم غير منقسمة الذات والبنية، وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غيره.
والقول المختار: أن الروح جسم مخالف لماهية هذا الجسم المحسوس، وهي جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفض في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها، من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم ساريا في هذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار فارقت الروح البدن، وانفصلت إلى عالم الأرواح، وهذا القول هو الصواب في المسألة، وعليه دل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة، وكل الأقوال سواه باطلة.
واستدل العلامة ابن القيم -رحمه الله- له بمائة دليل وخمسة عشر دليلا، وزيف كلام ابن سينا وابن حزم، وأمثالهما، ومن أدلة هذا القول من الكتاب قول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
ففي الآية ثلاثة أدلة:
الإخبار بتوفيها، وإمساكها، وإرسالها، وهذا شأن الجسم.
ثانيا: قول الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} إلى قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
وفي الآية أربعة أدلة:
أحدها: بسط الملائكة أيديهم لتناولها.
الثاني: وصفها بالخروج والإخراج.
الثالث: الإخبار عن عذابها في ذلك اليوم.
الرابع: الإخبار عن مجيئها إلى ربها، وهذا شأن الجسم.
ثالثا قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} إلى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) }
وفيها ثلاثة أدلة:
الأول: الإخبار بتوفي النفس بالليل.
الثاني: بعثها إلى أجسادها بالنهار.
الثالث: توفي الملائكة له عند الموت، فهذه عشرة أدلة.

<<  <   >  >>