للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ انْتَهَى.

(الثَّانِيَةُ) الِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ، وَفِي الشَّرْعِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازِمَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَقَالَ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢] وَقَالَ {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: ١٣٨] قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ: الِاعْتِكَافُ لُزُومُ الْمَرْءِ شَيْئًا وَحَبْسُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بِرًّا كَانَ أَوْ إثْمًا وَأَمَّا الْمُجَاوَرَةُ فَهِيَ بِمَعْنَاهُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ بِأَنَّهَا الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِعَطْفِهَا عَلَيْهِ فِي تَبْوِيبِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهَا لِذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ حِرَاءَ فِي قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا» وَلَيْسَ حِرَاءُ مَسْجِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ اعْتِكَافٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ إنَّهَا بِمَعْنَى الْمُلَازَمَةِ وَالِاعْتِكَافِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْخَيْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِمَسْجِدٍ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَالْجِوَارُ الِاعْتِكَافُ هُنَا انْتَهَى.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَازِمُهُ مِنْ حِرَاءَ مَسْجِدٌ أَوْ يَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَنْ جَوَّزَ اعْتِكَافَ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَهُوَ الْمَكَانُ أَعَدَّهُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَلَا تَكُونُ الْمُجَاوَرَةُ فِيهِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ كَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ الِاعْتِكَافُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْجِوَارُ وَالِاعْتِكَافُ وَاحِدٌ وَسُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَرَأَيْت الْجِوَارَ وَالِاعْتِكَافَ أَمُخْتَلِفَانِ هُمَا أَمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ قَالَ بَلْ هُمَا مُخْتَلِفَانِ كَانَتْ بُيُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا اعْتَكَفَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ مِنْ بُيُوتِهِ إلَى بَطْنِ الْمَسْجِدِ فَاعْتَكَفَ فِيهِ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ قَالَ إنْسَانٌ عَلَيَّ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ فَفِي جَوْفِهِ لَا بُدَّ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ جِوَارُ أَيَّامٍ فَبَابُهُ أَوْ فِي جَوْفِهِ إنْ شَاءَ؛ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْهُمَا. قَالَ وَالِدِي وَقَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ إلَى الثَّانِي، فَقَالَ فِي الرَّوْضِ إنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْجِوَارُ قَدْ يَكُونُ خَارِجَهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى.

[فَائِدَة حُكْم الِاعْتِكَاف] ١

(الثَّالِثَةُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>