للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَالَ مَوْلَايَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ سَيِّدِي.

[فَائِدَة قَوْلَ السَّيِّدِ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي وَأَمَتِي] ١

(السَّادِسَةُ) فِيهِ نَهْيُ السَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَإِرْشَادُهُ إلَى أَنْ يَقُولَ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ وَاسْتِعْمَالِهِ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ» فَنَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي اللَّفْظِ كَمَا نَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي الْفِعْلِ، وَفِي إسْبَالِ الْإِزَارِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَ دَالًّا عَلَى الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ عَبْدِي مَعَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَإِضَافَتُهُ دَالَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: ٦٠] {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} [يوسف: ٦٢] {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: ٦٠] وَاسْتِعْمَالُ الْجَارِيَةِ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَصْلُ الْفُتُوَّةِ الشَّبَابُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْفَتَى فِيمَنْ كَمُلَتْ فَضَائِلُهُ وَمَكَارِمُهُ كَمَا جَاءَ «لَا فَتًى إلَّا عَلِيٌّ» وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الصُّوفِيَّةُ الْفُتُوَّةَ الْمُتَعَارَفَةُ بَيْنَهُمْ، وَأَصْلُ مَدْلُولِهِ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْتَحْكِمِ الْقُوَّةِ وَهُوَ عَلَى هَذَا إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغُلْمَةِ وَهِيَ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ فِي الْإِنَاثِ كَالْغُلَامِ فِي الذُّكُورِ.

[فَائِدَة التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي وَأَمَتِي]

(السَّابِعَةُ) هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَبَوَّبَ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] وَقَالَ {عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: ٧٥] {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: ٢٥] وَقَالَ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] سَيِّدِك «وَمَنْ سَيِّدُكُمْ» ثُمَّ رَوَى مَعَ حَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «إذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ» وَحَدِيثَ أَبِي مُوسَى «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيُؤَدِّي إلَى سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ» وَحَدِيثَهُ «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «إذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا» فَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي، وَأَمَتِي؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>