للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَوْلَادُ الْأَخْيَافِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَخِيَاف الرِّجَالِ أَيْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ.

[فَائِدَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ مَعَ بَقِيَّة الْأَنْبِيَاءِ كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ] ١

(الرَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْلَ إيمَانِهِمْ وَاحِدٌ وَشَرَائِعَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي فُرُوعِ الشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] فَاسْتَعْمَلَ الْأُمَّهَاتِ فِي فُرُوعِ الشَّرْعِ وَالْأَبَ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَقَوْلُهُ شَتَّى أَيْ مُخْتَلِفُونَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: ١٤] وَقَوْلُهُ «وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» أَيْ أَصْلُ التَّوْحِيدِ أَوْ أَصْلُ الطَّاعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا أَوْ أَصْلُ التَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ جَمِيعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَزْمَانِهِمْ وَبَعْضُهُمْ بَعِيدُ الْوَقْتِ مِنْ بَعْضٍ فَهُمْ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ إذْ لَمْ يَجْمَعْهُمْ زَمَانٌ وَاحِدٌ كَمَا لَمْ يَجْمَعْ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ بَطْنٌ وَاحِدٌ وَعِيسَى لَمَّا كَانَ قَرِيبَ الزَّمَانِ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَبِيٌّ كَانَا كَأَنَّهُمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَكَانَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْقَاضِي، وَلَا رَجَّحَهُ وَإِنَّمَا صَدَّرَ كَلَامَهُ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ فَحَكَى هَذَا كَذَا فِي الْمَشَارِقِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عِيسَى كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَنَّهُ مَعَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُشْبِهَانِ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ فِي أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ الْمُشَبَّهَ بِالْأَبِ وَاحِدٌ، وَفَرْعَهُ الْمُشَبَّهَ بِالْأُمِّ مُخْتَلِفٌ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَوْلَى بِهِ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ مَعَهُ كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ بَلْ كَأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا صَارُوا كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ؛ لِتَبَاعُدِ زَمَانِهِمْ وَلَمَّا تَقَارَبَ زَمَنُ نَبِيِّنَا وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - صَارَ كَأَنَّهُ زَمَنٌ وَاحِدٌ فَشُبِّهَا بِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَقَارَبَ زَمَنُهُمْ حَتَّى كَانَ يَجْتَمِعُ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقُرْبُ بَعْضِ أُولَئِكَ مِنْ بَعْضٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَشَدُّ مِنْ قُرْبِ نَبِيِّنَا لِعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِهَذِهِ النِّسْبَةِ، وَقَدْ كَانَ يَحْيَى ابْنَ خَالَتِهِ وَمُجْتَمِعًا مَعَهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» دُخُولُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ نَبِيُّنَا أَوْلَى بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَيْنَاهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَوْلَى أَهْلِ زَمَانِهِ بِهِ وَيَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ رَدًّا عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ زَعَمُوا تَوَلِّيَ عِيسَى، وَاتِّبَاعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>