للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكَفَى النَّاسَ الْعَمَلُ» .

وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ جَافِي جَرِيءٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ الْهِجْرَةُ إلَيْك حَيْثُ كُنْتَ أَمْ إلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ لِقَوْمٍ خَاصَّةً أَمْ إذَا مِتَّ انْقَطَعَتْ؟ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْهِجْرَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَقَمْت الصَّلَاةَ وَآتَيْت الزَّكَاةَ فَأَنْتَ مُهَاجِرٌ، وَإِنْ مِتَّ بِالْحَضَرِ» قَالَ يَعْنِي أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «الْهِجْرَةُ أَنْ تَهْجُرَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ثُمَّ أَنْتَ مُهَاجِرٌ، وَإِنْ مِتَّ بِالْحَضَرِ» .

١ -

(التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَقَعَ هُنَا الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ مُتَّحِدَيْنِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الشَّرْطَ، وَالْجَزَاءَ، وَالْمُبْتَدَأَ، وَالْخَبَرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ فِي الْحَدِيثِ مُقَدَّرٌ وَتَقْدِيرُهُ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ نِيَّةً وَقَصْدًا فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَوَابًا وَأَجْرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة لَا يُجْمَعَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ضَمِير تَثْنِيَة] ١

(الْفَائِدَةُ الْخَمْسُونَ) لَمْ يَقُلْ فِي الْجَزَاءِ فَهِجْرَتُهُ إلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَخْصَرَ بَلْ أَتَى بِالظَّاهِرِ فَقَالَ: فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ أَنْ يُجْمَعَ مَعَ ضَمِيرٍ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ لِلْخَطِيبِ «بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ، حِينَ قَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى» وَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ الْإِنْكَارِ فَقَالَ لَهُ: (قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .

وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ وُقُوفَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا، وَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّمِيرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَشَهَّدَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا» .

وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ تَرْكَ جَمْعِهِمَا فِي ضَمِيرٍ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْخَطِيبِ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى دَقَائِقِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة الدُّنْيَا فُعْلَى مِنْ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ]

(الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) الدُّنْيَا فَعَلَى مِنْ الدُّنُوِّ، وَهُوَ الْقُرْبُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَبْقِهَا لِلْآخِرَةِ، وَفِي الدَّالِ لُغَتَانِ، الضَّمُّ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَالْكَسْرُ حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مَقْصُورَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَنْوِينٌ بِلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>