للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَمَوْقِفُ إشْكَالٍ وَرَدَتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ إيَّاهُ أَعْتَقِدُ وَبِهِ أَشْهَدُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا قِيلَ يَنْسَاهَا وَقِيلَ لَا يَشْتَهِيَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا وَيَكُونُ هَذَا نَقْصُ نَعِيمٍ فِي حَقِّهِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَارِكِ شَهْوَتِهَا.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَلَّمُ لِحَالِهِ مَعَ الْمَنَازِلِ الَّتِي رَفَعَ بِهَا غَيْرَهُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِرِفْعَتِهَا وَأَنَّ صَاحِبَهَا أَعْلَى مِنْهُ دَرَجَةً وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَحْسُدُهُ وَلَا يَتَأَلَّمُ بِفَقْدِ شَيْءٍ اسْتِغْنَاءً بِاَلَّذِي أُعْطِيَ وَغِبْطَةً بِهِ وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْأَوْلَى ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ حِرْمَانَهُ الْخَمْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعَذَّبُ فِي النَّارِ وَيُسْقَى مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ النَّارِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ يُحْرَمْ شَيْئًا مِنْهَا لَا خَمْرًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا غَيْرَهُمَا فَإِنَّ حِرْمَانَ شَيْءٍ مِنْ لِذَاتِ الْجَنَّةِ لِمَنْ هُوَ فِيهَا نَوْعُ عُقُوبَةٍ وَمُؤَاخَذَةٍ فِيهَا وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ بِدَارِ عُقُوبَةٍ وَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ انْتَهَى.

وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ:» وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَقْوَالٌ:

(أَحَدُهَا) : أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِتَلَازُمِ حِرْمَانِهَا وَعَدَمِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الْأَوَّلِينَ.

(الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ فِي النَّارِ وَيَصْدُقُ عَلَى تِلْكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ حِرْمَهَا فِي الْجَنَّةِ.

(الثَّالِثُ) : أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إنْ جُوزِيَ لَا يُجَازَى.

(الرَّابِعُ) : أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ مُجَازَاتِهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ نَقْصُ لَذَّةٍ.

[فَائِدَة التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ] ١

(الثَّالِثَةُ) : فِيهِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ تَكْفِيرُهَا قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ أَمَّا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ فَهُوَ قَطْعِيٌّ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَلِلْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى وُجُوبِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَقْلًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ قُرْآنًا وَسَنَةً وَتَتَبَّعَ مَا فِيهِمَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلِمَ عَلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ.

[فَائِدَة فَقْد التَّوْبَةِ وَاسْتِمْرَار الْإِصْرَارِ فِي الْمَفْسَدَةِ] ١

(الرَّابِعَةُ) : أَشَارَ بِقَوْلِهِ «ثُمَّ لَمْ يَتُبْ» إلَى تَرَاخِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>