للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَلْفَاظِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّحِيحُ فِي لَفْظِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ انْتَهَى.

(الثَّانِيَةُ) الْخَيْبَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ وَعَدَمُ نَيْلِ الْمَطْلُوبِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ أَوْ وَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى النُّدْبَةِ وَهِيَ نِدَاءُ مُتَفَجَّعٍ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ مُتَوَجَّعٍ مِنْهُ، كَأَنَّهُ فَقَدَ الدَّهْرَ لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْرَهُهَا فَنَدَبَهُ.

[فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ] ١

(الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَعْمِلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ عَقِيدَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الزَّمَانَ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً لِتَعْطِيلِهِمْ وَنَفْيِهِمْ الْإِلَهَ، وَاسْتَعْمَلَ السَّلَامِيُّونَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ قَاصِدِينَ بِهِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ يَذُمُّونَ الدَّهْرَ إذَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُمْ أَغْرَاضُهُمْ، وَيَمْدَحُونَهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُمْ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ نَسَبَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لِلدَّهْرِ حَقِيقَةً، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَشَبَّهَ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَبِالْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ ارْتَكَبَ مَا نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، فَلْيَتُبْ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَالدَّهْرُ وَالزَّمَانُ وَالْأَبَدُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى حَرَكَاتِ الْفَلَكِ وَهِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعَةُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا: لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: خُرِقَ الْفَلَكُ وَانْعَكَسَ الدَّهْرُ وَتَعِسَ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.

[فَائِدَة قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ] ١

(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هُوَ مَجَازٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ، فَإِنَّكُمْ إذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنَزِّلُهَا.

وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى فَإِنَّ «اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ، وَخَالِقُ الْكَائِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

(السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ أَنَّ الدَّهْرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا جَهْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>