للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

الْهَمِّ وَالْعَزْمِ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةٌ وَلَيْسَتْ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلْهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَمَانَةِ لَكِنَّ نَفْسَ الْإِصْرَارِ وَالْعَزْمِ مَعْصِيَةُ فَيُكْتَبُ مَعْصِيَةٌ فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَةً ثَانِيَةً.

وَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي لَا يُكْتَبُ فَهُوَ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا يُوَطِّنُ النَّفْسَ عَلَيْهَا وَلَا يَصْحَبُهَا عَقْدٌ وَلَا نِيَّةُ عَزْمٍ انْتَهَى.

قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقَرِّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ١٩] وقَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَاحْتِقَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَعَزْمِهَا انْتَهَى.

[فَائِدَة إذَا ترك الْعَبْد المعصية لأجل كَتَبَتْ حَسَنَة]

(الْعَاشِرَةُ) فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» زِيَادَةً عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ «فَأَنَا أَغْفِرُهَا» لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَغْفِرَتِهَا كِتَابَةُ حَسَنَةٍ بِسَبَبِ تَرْكِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» .

فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُجَاهِدَتَهُ نَفْسَهُ الْأَمَارَةَ بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانَهُ هَوَاهُ حَسَنَةٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِأَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ عَلَى كِتَابَتِهَا حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَعَلَّلَ كِتَابَتَهَا حَسَنَةً بِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ فَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ وَتُسَاعِدُهُ الْقَاعِدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْمَلْهَا تَارِكًا لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لَا إذَا هَمَّ بِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا وَعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>