للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

«إنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ لَا يَرَاهُمْ الْآخَرُونَ» .

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ثُوَيْرٍ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً» .

(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ» يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ صَفَاءِ لَحْمِ السَّاقَيْنِ كَمَا يُرَى السِّلْكُ فِي جَوْفِ الدُّرَّةِ الصَّافِيَةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يَرَى مُخَّهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: ٥٨] » فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا، ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَرَأَيْته مِنْ وَرَائِهِ.

وَفِي هَذَا زِيَادَةٌ وَهِيَ صَفَاءُ الْحُلَلِ وَرِقَّتُهَا بِحَيْثُ يُرَى الْمُخُّ مِنْ وَرَائِهَا أَيْضًا وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهَا.

(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ وَاحِدٍ» بِالْإِضَافَةِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ أَيْ عَلَى قَلْبِ شَخْصٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهَا مُطَهَّرَةٌ عَنْ مَذْمُومِ الْأَخْلَاقِ مُكَمَّلَةً لِمَحَاسِنِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة قَوْلُهُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً] ١

(السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً أَيْ بِقَدْرِهِمَا فَأَوْقَاتُ الْجَنَّةِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ تَقْدِيرِيَّاتٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِيءُ مِنْ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

(السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا التَّسْبِيحُ لَيْسَ عَنْ تَكْلِيفٍ وَإِلْزَامٍ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ تَكْلِيفٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ جَزَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ تَيْسِيرٍ وَإِلْهَامٍ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ، وَالتَّحْمِيدَ، وَالتَّكْبِيرَ كَمَا يُلْهِمُونَ النَّفَسَ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ تَنَفُّسَ الْإِنْسَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي فِعْلِهِ وَآحَادُ التَّنَفُّسَاتِ مُكْتَسَبَةٌ لِلْإِنْسَانِ وَجُمْلَتُهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّهِ إذْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ قَلِيلِ الْأَنْفَاسِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جَمِيعِهَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ قَدْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَتِهِ، وَأَبْصَارَهُمْ، قَدْ تَمَتَّعَتْ بِرُؤْيَتِهِ، وَقَدْ غَمَرَتْهُمْ سَوَابِغُ نِعْمَتِهِ، وَامْتَلَأَتْ أَفْئِدَتُهُمْ بِمَحَبَّتِهِ، فَأَلْسِنَتُهُمْ مُلَازَمَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>