للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْغُسْلِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» زَادَ الشَّيْخَانِ «تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» .

ــ

[طرح التثريب]

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِنِصْفِ مُدٍّ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ بِقِسْطٍ مِنْ مَاءٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَالْقِسْطُ نِصْفُ مُدٍّ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَالَ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ فِي الْوُضُوءِ وَصَاعٍ فِي الْغُسْلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَحَدِيثُ الثَّلَاثَةِ أَمْدَادٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَهَكَذَا حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا آخَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِثُلُثِ مُدِّ وَحَدِيثٌ آخَرُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَا لَا يَلُتُّ الثَّرَى وَلَا أَصْلَ لَهُمَا وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أُوقِيَّةٍ وَنِصْفٍ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يُمْكِنُ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ أَوْ أَضْعَافِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ أَوَّلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وُضُوءَهُ بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَحَمَلَهُ عَلَى رِوَايَةِ وُضُوئِهِ بِمُدٍّ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ ثُلُثَا مُدٍّ هُوَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَاذٍ.

وَالْمُدُّ مُدَّانِ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدُّ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُدِّ الْأَوَّلِ قِيلَ بِثُلُثٍ وَقِيلَ بِنِصْفٍ لَكِنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَارِيخِ مَوْتِ الرُّبَيِّعِ وَمُدَّةِ وِلَايَةِ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَهَلْ أَدْرَكَتْ زَمَن هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا دَلَالَةَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ مُدَّ هِشَامٍ قَالَ وَلَا يُتَوَهَّمَنَّ أَنَّ قَوْلَهَا فَأَتَى بِمَا قَدْرَ ثُلُثَيْ مُدٍّ يَتَعَيَّنُ لَأَنْ يَكُونَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا إذَا أَدْرَكَتْ مُدَّ هِشَامٍ جَازَ أَنْ تُعَيِّنَ مَا كَانَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمِقْدَارِ بِثُلُثَيْ الْمِقْدَارِ الْحَاضِرِ عِنْدَ إخْبَارِهَا انْتَهَى وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ ثُلُثَيْ الْمُدِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ وَاسْمُهَا نُسَيْبَةُ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكِلَاهُمَا لَمْ تَتَأَخَّرْ وَفَاتُهُ إلَى مُدِّ هِشَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَةٌ الْقَدْر الَّذِي يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ] ١

(السَّادِسَةُ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ هَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ أَوْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الصَّاعِ، وَالْمُدِّ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ قَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سَتَأْتِي أَقْوَامٌ يَسْتَقِلُّونَ هَذَا فَمَنْ رَغِبَ فِي سُنَّتِي وَتَمَسَّكَ بِهَا بُعِثَ مَعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>