للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ أَبْرِدْ، وَقَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ، وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ» ،

ــ

[طرح التثريب]

«اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ» .

وَقِيلَ: إنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ فَاجْتَنِبُوا ضَرَرَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْضُدُهُ عُمُومُ الْخِطَابِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ انْتَهَى.

وَعَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ مَوْجُودَةٌ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا: إنَّهَا إنَّمَا تُخْلَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ مُتَوَافِرَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ

[فَائِدَةٌ الْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ] ١

(التَّاسِعَةُ) هَذَا الْمُؤَذِّنُ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هُوَ بِلَالٌ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ وَأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ (الْعَاشِرَةُ) الْفَيْءُ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ بِعِلْمِ الزَّوَالِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِرُجُوعِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ، وَالتُّلُولُ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ جَمْعُ تَلٍّ بِفَتْحِهَا، وَهِيَ الرَّوَابِي الْمُرْتَفِعَةُ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كُلُّ شَيْءٍ بَارِزٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ نَبَاتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى.

وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ.

(الْحَادِيَةَ عَشَرَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ. أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ رَاجِعٌ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ قَدْ وَقَعَ وَانْقَضَى وَفِي رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لِلْبُخَارِيِّ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ الظُّهْرَ فَقَالَ أَبْرِدْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْأَذَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: وَفِي هَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ كَانَ بَعْدَ التَّأْذِينِ، وَأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>