للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً» .

ــ

[طرح التثريب]

الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَكَرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْخِيرِ أَيْضًا، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[حَدِيث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً]

(الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً» فِيهِ فَوَائِدُ:

(الْأُولَى) الْحُجْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْبَيْتُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ فَهُوَ حُجْرَةٌ قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَأَصْلُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ حَظِيرَةٌ لِلْإِبِلِ وَقَوْلُهُ طَالِعَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحُجْرَةِ إلَّا طَالِعَةً.

وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ شُعَاعُهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ أَيْ تَعْلُوَ عَلَى الْحِيطَانِ وَلِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَالشَّمْسُ فِي قَعْرِ حُجْرَتِي وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ فِي الْحُجْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي قَعْرِهَا.

(الثَّانِيَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ مَا رُوِيَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْضِعٍ مُنْخَفِضٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ بِالْوَاسِعَةِ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهَا مِنْ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ مِنْهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَكَانَتْ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَتَكُونُ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْفَيْءُ فِي الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ وَكُلُّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَرْصَةَ كَانَتْ ضَيِّقَةً قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَتْ بِالْوَاسِعَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>