للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

لِكِتَابِ الْبَعْثِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِغَرِهِ جِدًّا.

{الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «يَأْكُلُهُ التُّرَابُ» يَحْتَمِلُ أَنْ تُعْدَمَ أَجْزَاؤُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَكِنْ زَالَتْ أَعْرَاضُهَا الْمَعْهُودَةُ، وَقَدْ جَوَّزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَقْلًا قَالَ وَلَمْ يَدُلَّ قَاطِعٌ سَمْعِيٌّ عَلَى نَفْيِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَصِيرَ أَجْسَامُ الْعِبَادِ عَلَى صِفَةِ أَجْسَامِ التُّرَابِ، ثُمَّ تُعَادُ بِتَرْكِيبِهَا إلَى مَا عُهِدَ وَلَا يُحِيلُ أَنْ يُعْدَمَ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ يُعَادَ.

{الرَّابِعَةُ} كَوْنُ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَبْلَى أَجْسَامُهُمْ الْكَرِيمَةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعَهُمْ الشُّهَدَاءَ قَالَ وَحَسْبُك مَا جَاءَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ لِمَا نَقَلَ أَبَاهُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حِينَ أَرَادَ إجْرَاءَ الْعَيْنِ الَّتِي فِي أَسْفَلِ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ «فَأَخْرَجْنَاهُمْ رِطَابًا يُتَسَنَّوْنَ فَأَصَابَتْ الْمِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَتَقَطَّرَ الدَّمُ» وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ بَعْضَ الشُّهَدَاءِ قَدْ تَأْكُلُ الْأَرْضُ جَسَدَهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْمَبْطُونِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُلْحَقِينَ بِالشُّهَدَاءِ وَضَمَّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الصِّنْفَيْنِ الْمُؤَذِّنَ الْمُحْتَسِبَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدَوَّدْ فِي قَبْرِهِ» قَالَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَ الْمُؤَذِّنِينَ الْمُحْتَسِبِينَ فَلِلْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَنْ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَإِنَّهُ لَا تَأْكُلُ مِنْهُ عَجَبَ الذَّنَبِ قَالَ: وَإِذَا جَازَ أَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ عَجَبَ الذَّنَبِ جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الشُّهَدَاءَ.

(الثَّانِي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ الْإِنْسَانِ مِمَّا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَأْكُلُ أَجْسَامًا كَثِيرَةً كَالْأَنْبِيَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ

[فَائِدَة عَجَبَ الذَّنَبِ لَا يَبْلَى وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ] ١

{الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّ عَجَبَ الذَّنَبِ لَا يَبْلَى وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَإِنْ بَلِيَ جَمِيعُ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُزَنِيّ فَقَالَ: إنَّ عَجَبَ الذَّنَبِ يَبْلَى أَيْضًا فَلَمْ يُجْعَلْ إلَّا فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعَجَبُ الذَّنَبِ، وَقَدْ حَكَى إثْبَاتَ هَذَا الْمَعْنَى لِأَلَّا عَنْ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَأَوَّلُوا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَيَرُدُّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَوْنُهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ أَيْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنْ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>