للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «أَمَا شَعَرْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ صَدَقَةً» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «أَمَا عَلِمْت أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ» .

(الثَّانِيَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَأَمَّا الْأُولَى فَلَا خِلَافَ فِيهَا.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: إنَّهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ حَكَى لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُ انْتَهَى.

وَإِبَاحَةُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ دُونَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَكَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَكَسَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ فَقَالَ: تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ يَقَعُ فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ مِنْهُمْ بِعَكْسِهِ: إنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْآلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَشْهَبُ هُمْ بَنُو غَالِبٍ وَقَالَ أَصْبَغُ هُمْ بَنُو قَصِيٍّ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا.

[فَائِدَة اسْتِعْمَال الْوَرَع وَتَرَك الشُّبُهَات] ١

(الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ وَهُوَ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَلِهَذَا رَفَعَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْدُمُ إلَّا عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَكِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْوَرَعُ وَهُوَ تَرْكُهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ» الْحَدِيثَ، وَفِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تِلْكَ التَّمْرَةَ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُهَا بِالِالْتِقَاطِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهَا فِي الطَّرِيقِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّمْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ مُحَقَّرَاتِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا لِكَوْنِهَا لُقَطَةً قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا وَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَطْمَعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>