للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَبْلُغُ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَهْيِئَةُ الْعَطِيَّةِ لِلْفَقِيرِ وَإِرَاحَتُهُ مِنْ التَّعَبِ وَالْحَمْلِ وَأَبْعَدُ عَنْ كَسْرِ نَفْسِهِ بِمَجِيئِهِ إلَى بَابِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَتَهَنَّأُ وَيَنْحَفِظُ عَلَيْهِ صَوْتُهُ، وَقَدْ يُقَالُ هُمَا أَمْرَانِ مُتَنَافِيَانِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْقَصْدُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نَظَرَ إلَى خُصُوصِيَّةِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُعَظَّمَ وَيُكَرَّمَ بَلْ الْقَصْدُ إرْفَاقُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَفِي تَعْظِيمِ الْمُهْدَى لَهُ مَا يُنَافِي قَصْدَ التَّقَرُّبِ بِإِعْطَائِهِ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى خُصُوصِيَّتِهِ فَلَا يَجْتَمِعُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ مَعَ النَّظَرِ إلَى شَخْصٍ بِخُصُوصِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَةِ وَيَبْقَى النَّظَرُ وَالْحُكْمُ لِلدَّاعِيَةِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ، فَإِنْ قُلْت فَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِدْقَ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ، قُلْت لَمْ يُرِدْ بِالصَّدَقَةِ هُنَا مَدْلُولَهَا الْأَصْلِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِعْطَاءُ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الصَّدَقَةَ فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَائِدَة العبرة فِي الْعَطَاء]

(الثَّامِنَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعَطَاءِ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَدَفَعَ مَا يُؤَدِّي أَحَدَهُمَا وَقَالَ أَرَدْت الدَّفْعَ عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ لِيَنْفَكَّ وَقَالَ الْآخِذُ إنَّمَا أَخَذْته عَنْ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَرَدْت الدَّفْعَ عَنْ دَيْنِك عَلَيَّ وَقَالَ الْآخِذُ إنَّمَا أَخَذْته تَبَرُّعًا وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ سَلْمَانَ عَنْ نِيَّتِهِ فِيمَا أَحْضَرَهُ وَرَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْآخِذِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ.

[فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط فِي كُلّ مِنْ الْهَدِيَّة وَالصَّدَقَة الْإِيجَاب وَالْقَبُول] ١

(التَّاسِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكْفِي الْقَبْضُ وَتُمْلَكُ بِهِ فَإِنَّ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ وَضْعِهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سَأَلَهُ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْهَدِيَّةُ الْمُبَاحَةُ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظٌ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا حَمْلُ الْهَدَايَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقْبَلُهَا وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ قَالُوا وَعَلَى هَذَا جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>