للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

فَيَدُ السَّائِلِ سُفْلَى فَلَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتَنَعَ مِنْ الْأَخْذِ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْلَقًا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

{الْخَامِسَةُ} قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْعُلْيَا هُوَ أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي مُسْتَعْلِيَةٌ فَوْقَ يَدِ الْآخِذِ يَجْعَلُونَهُ مِنْ عُلُوِّ الشَّيْءِ إلَى فَوْقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِالْوَجْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَلَاءِ الْمَجْدِ وَالْكَرْمِ يُرِيدُ بِهِ التَّرَفُّعَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْهَا وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَرَ قَالَ أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ أَنْشَدَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مَعْنَاهُ.

إذَا كَانَ بَابُ الذُّلِّ مِنْ جَانِبِ الْغِنَى ... سَمَوْتُ إلَى الْعَلْيَاءِ مِنْ جَانِبِ الْفَقْرِ

يُرِيدُ التَّعَزُّزَ بِتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهَ عَنْهَا انْتَهَى.

فَكَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَثَانِيًا عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي ذَلِكَ وَكَوْنُ الْعُلْيَا مِنْ الْعَلَاءِ وَهُوَ الْعُلُوُّ الْمَعْنَوِيُّ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْعُلْوِيِّ عُلُوُّ الْفَضْلِ وَالْمَجْدِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ.

[فَائِدَة الْإِنْفَاق فِي وُجُوه الطَّاعَات]

{السَّادِسَةُ} فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الطَّاعَةِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالتَّطَوُّعَاتِ الْمُطْلَقَةَ.

١ -

{السَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَرْجِيحِ الْغِنَى مَعَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ عَلَى الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْغِنَى وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَمَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ الْفَضْلَ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ خَيْرٌ فِي الْإِفْضَالِ وَالْإِعْطَاءِ وَأَعْلَى هِمَّةً وَأَعْظَمُ مَجْدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

{الثَّامِنَةُ} لَمْ يَذْكُرْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَعَفِّفَةَ عَنْ الْآخِذِ وَلَا الْآخِذُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّائِلَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَفِّفَةِ عَنْ الْأَخْذِ وَالْآخِذَةِ بِغَيْرِ سُؤَالٍ لَيْسَتْ عُلْيَا وَلَا سُفْلَى فَإِنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ بِمَعَالِي الْأُمُورِ فِي الِاكْتِسَابِ وَالْإِفْضَالِ وَالْإِنْفَاقِ وَلَا بِتَسَفُّلِ الِاكْتِسَابِ وَدَنَاءَتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُلْيَا أَيْضًا لَكِنَّ عُلُوَّهَا دُونَ عُلُوِّ الْمُنْفِقَةِ، وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا سُفْلَى لِعَدَمِ أَخْذِهَا بِمَعَالِي الْأُمُورِ فِي الْإِنْفَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ الْمُنْفِقَةُ ثُمَّ الْمُتَعَفِّفَةُ عَنْ الْأَخْذِ ثُمَّ الْآخِذَةُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ ثُمَّ السَّائِلَةُ وَدَرَجَاتُ الْعُلُوِّ وَالتَّسَفُّلُ مُتَفَاوِتَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفِقُ حَقِيقَةً، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلَا تَعْجِزَ عَنْ نَفْسِك» وَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اقْتَصَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>