للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

جَرَتْ عَادَتْنَا بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ إنَّهُ يُقَرِّبُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إلَيْكُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَحْوَهُ.

(الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَكُونَ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا قَالَ فِي الْمَكْلُومِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (الرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ) حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

(الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوفِ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَنَا لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْخُلُوفِ وَهُمَا ضِدَّانِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا.

(الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِرَائِحَةِ الْخُلُوفِ وَتُدَّخَرُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْتَدُّ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَنَا نَحْنُ بِخِلَافِهِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا.

(الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْمِسْكِ حَيْثُ نَدَبَ إلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ الْحَدِيثِ وَالذِّكْرِ وَسَائِرِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبَا الْمُفْهِمِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ.

(السَّادِسُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْخُلُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْمِسْكِ.

[فَائِدَة جَزَاء الصَّائِم] ١

{الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَقْتَضِي أَنَّ طِيبَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ وَيُوَافِقُهُ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ ثَانِيًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَكُونَ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ ذَكَرَ الْبَيَانَ بِأَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ قَدْ يَكُونُ أَيْضًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ مِنْ الطَّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ حِينَ يَخْلُفُ ظَرْفٌ لِوُجُودِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالطِّيبِ عِنْدَ اللَّهِ، أَمَّا كَوْنُهُ مَشْهُودًا لَهُ بِالطِّيبِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ (قُلْت) هَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ طِيبَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِلطِّيبِ فِي حَالَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ تَأْوِيلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ السَّادِسِ الَّذِي حَكَيْته عَنْ صَاحِبِ الْمُفْهِمِ احْتِمَالًا وَيَدُلُّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>