للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الله فإنه يستكمل بأن يحصل لنفسه الكون في كل مكان أمكن، وزعم أن الكون في الأماكن ممكن لي ولست أقدر على الجمع بينها بالعدد فأستوفيه بالنوع فإن فيه استكمالاً وتقرباً، فيسفه عقله فيه ويحمل على الحماقة ويقال: الانتقال من حيز إلى حيز ومن مكان إلى مكان ليس كمالاً يعتد به أو يتشوف إليه، ولا فرق بين ما ذكروه وبين هذا.

[لماذا لا تختلف الحركة؟]

والثاني هو أنا نقول: ما ذكرتموه من الغرض حاصل بالحركة المغربية فلم كانت الحركة الأولى مشرقية وهلا كانت حركات الكل إلى جهة واحدة؟ فإن كان في اختلافها غرض فهلا اختلفت بالعكس فكانت التي هي مشرقية مغربية والتي هي مغربية مشرقية؟ فإن كل ما ذكروه من حصول الحوادث باختلاف الحركات من التثليثات والتسديسات وغيرها يحصل بعكسه. وكذى ما ذكروه من استيفاء الأوضاع والأيون كيف ومن الممكن لها الحركة إلى الجهة الأخرى فما بالها لا تتحرك مرة من جانب ومرة من جانب استيفاء لما يمكن لها إن كان في استيفاء كل ممكن كمال؟

هذه الأمور يطلع عليها على سبيل الإلهام

لا على سبيل الاستدلال

فدل أن هذه خيالات لا حاصل لها وأن أسرار ملكوت السموات لا يطلع عليه بأمثال هذه الخيالات وإنما يطلع الله عليه أنبياءه وأولياءه على سبيل الإلهام لا على سبيل الاستدلال ولذلك عجز الفلاسفة من عند آخرهم عن بيان السبب في جهة الحركة واختيارها.

[الاستكمال بالحركة - وبهذه الحركة إفاضة الخير]

وقال بعضهم: لما كان استكمالها يحصل بالحركة من أي جهة كانت وكان انتظام الحوادث الأرضية يستدعي اختلاف حركات وتعين جهات، كان الداعي لها إلى أصل الحركة التقرب إلى الله والداعي إلى جهة الحركة إفاضة الخير على العالم السفلي.

[قولنا قد يكون بالسكون]

وهذا باطل من وجهين. أحدهما أن ذلك إن أمكن أن يتخيل فليقض بأن مقتضى طبعه السكون احترازاً عن الحركة والتغير وهو التشبه بالله على التحقيق فإنه مقدس عن التغير والحركة تغير، ولكنه اختار الحركة لإفاضة الخير فإنه كان ينتفع به غيره وليس يثقل عليه الحركة وليس تتعبه، فما المانع من هذا الخيال؟

[أو باختلاف الحركات]

والثاني أن الحوادث تنبنى على اختلاف النسب المتولدة من اختلاف جهات الحركات، فلتكن الحركة الأولى مغربية وما عداها مشرقية وقد حصل به الاختلاف ويحصل به تفاوت النسب. فلم تعينت جهة واحدة، وهذه الاختلافات لا تستدعي إلا أصل الاختلاف، فأما جهة بعينها فليس بأولى من نقيضها في هذا الغرض.

مسألة في إبطال قولهم إن نفوس السموات مطلعة

على جميع الجزئيات الحادثة في هذا العالم

وإن المراد باللوح المحفوظ نفوس السموات وإن انتقاش جزئيات العالم فيها يضاهي انتقاش المحفوظات في القوة الحافظة المودعة في دماغ الإنسان، لا أنه جسم صلب عريض مكتوب عليه الأشياء كما يكتبه الصبيان على اللوح لأن تلك الكتابة يستدعي كثرتها اتساع المكتوب عليه.

وإذا لم يكن للمكتوب نهاية لم يكن للمكتوب عليه نهاية، ولا يتصور جسم لا نهاية له ولا يمكن خطوط لا نهاية لها على جسم ولا يمكن تعريف أشياء لا نهاية لها بخطوط معدودة.

[مذهبهم]

وقد زعموا أن الملائكة السماوية هي نفوس السموات وأن الملائكة الكرويين المقربين هي العقول المجردة التي هي جواهر قائمة بأنفسها لا تتحيز ولا تتصرف في الأجسام وأن هذه الصور الجزئية تفيض على النفوس السماوية منها وهي أشرف من الملائكة السماوية لأنها مفيدة وهي مستفيدة والمفيد أشرف من المستفيد، ولذلك عبر عن الأشرف بالقلم فقال تعالى: علم بالقلم، لأنه كالنقاش المفيد مثل المعلم وشبه المستفيد باللوح. هذا مذهبهم.

[هو محال، فنطالبهم بالدليل عليه]

والنزاع في هذه المسألة يخالف النزاع فيما قبلها فإن ما ذكروه من قبل ليس محالاً إذ منتهاه كون السماء حيواناً متحركاً لغرض وهو ممكن. أما هذه فترجع إلى إثبات علم لمخلوق بالجزئيات التي لا نهاية لها وهذا ربما يعتقد

<<  <   >  >>