للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعبود بحق فجعل للمعبود بحق، أفرادا منفية بلا، وكلها حق، فكيف يجوز أن ينفي ما هو حق؟ وكيف تكون الأفراد كلها حقا؟

فتدبر يتضح لك الحال. فهذه فنون من الضلال والإلحاد يبديها تارة، ثم يأتي بما هو أعظم منها وأبين في الضلال والمحال، والمنفي بلا في كلمة الإخلاص لا يكون حقا، بل هو الباطل كما دل عليه الكتاب والسنة وما عليه المسلمون، والحق في كلمة الإخلاص هو المستثنى، وهو الله -تعالى- {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ١ لا شريك له في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أفعاله، ولا مثل له، ولا كفء له، ولا ند له، وكل معبود سواه فباطل، ومن لم يعتقد هذا فليس بمسلم.

ولا يخفى أنه يلزم على قول هذا أن للكلي أفرادا معبودة، فإذا كانت كلها معبودة بحق جاز أن تقصد بالعبادة، وهذا دين المشركين الذي بعث الله رسله بإنكاره وإبطاله كما قال -تعالى-: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ٢ وقال -تعالى-: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} ٣. والآيات في المعنى كثيرة جدا، فمن عبد مع الله غيره فقد ألحد وأشرك. وكل هذه العبارات التي ذكرها هذا في ورقته ينكرها كل من له عقل.

[قول أفلاطون وأتباعه إن الله هو الوجود المطلق]

وأصل هذا الرجل الذي اعتمده وعبر عنه هو بعينه الذي ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- عن أفلاطون الفيلسوف وأتباعه، بناء منهم على كفرهم، فإنهم يقولون: إن الله هو الوجود المطلق.

ومعلوم أن هذا لا يكون له وجود متميز بنفسه مباين للمخلوقات، إذ الكلي كالجنس والفصل والخاصة والعرض العام لا يوجد في الخارج منفصلا عن الأعيان الموجودة، وهذا معلوم بالضرورة، متفق عليه بين العقلاء.


١ سورة الفرقان آية: ٥٩.
٢ سورة النحل آية: ٥١.
٣ سورة الشعراء آية: ٢١٣.

<<  <   >  >>