للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التجارة والزراعة والصناعة]

امتد نشاط الأنباط التجاري إلى مناطق واسعة، ووصلت علاقاتهم إلى أبعد المناطق المتمدنة آنذاك. فقد تركوا فيما بين "بتيولي Puteoli" التي بقيت زمنًا طويلًا المرفأ الرئيسي للرومان، وبين "جرها Gerha" "العقير حاليا" على الخليج العربي١ وسواحل البحر الأحمر وديلوس ومليتوس ورودس في اليونان، ودلتا نهر النيل الشرقية ومصر العليا وعند مصب نهر الفرات آثارًا كتابية ووثائقَ لا يزال بعضها محفوظًا في متحف نابولي، وكلها تشهد بنشاط الأنباط التجاري في تلك الجهات، مثلما تشهد الوثائق الصينية بمشروعات الأنباط التجارية فيها.

وكان من سلسلة المحطات التي تمر بها القوافل التجارية النبطية مدينة "لويكة كومة LeuKe kome" وهي مدينة عربية كانت تقع على ساحل البحر الأحمر قرب "الوجه" ومدينة "ليلة" وكانتا حلقتين خارجيتين في السلسلة، بينما كانت كل من بصرى وصلخد حلقتين داخليتين.

ومما ذكره "سترابون" أن اهتمام البتراء بتنشيط العمل التجاري بلغ من الشدة أنهم كانوا يفرضون الغرامات على كل من يهمل عمله فتنقص ممتلكاته، بينما كانوا يمنحون مراتب الشرف لمن يزيد فيها. كما كانوا يهتمون بحماية طرق القوافل لتسهيل مرور البضائع في بلدتهم فيفرضون عليها الضرائب والرسوم، بينما كانوا قد مارسوا نوعًا من الاحتكار لمدة من الزمن٢.

كان الأنباط يتاجرون في مختلف السلع كالعطور والطيوب والتوابل والأفاوية والمر والبخور يحملونها من اليمن، والحرير والمنسوجات بأنواعها من الصين ومن دمشق،


١ معلوماتنا عن العقير القديمة تأتينا من المصادر الكلاسيكية التي تصفها بكونها مدينة عربية، كانت أهم مركز على الخليج العربي، وأهم مركز تجاري يشكل صلة الوصل الرئيسة بين الهند والمملكة السلوقية في سورية، وأنها كانت تسيطر على الساحل الغربي للخليج وعلى طرق القوافل الرئيسية في ذلك الجزء من شبه الجزيرة العربية، وكان أحد هذه الطرق يتجه جنوبًا ويصل العقير باليمن بينما تتوجه الطرق الأخرى في قلب الصحراء إلى تيماء وإلى البتراء "والعقير اليوم تابعة للمملكة العربية السعودية".
٢ فيليب حتي: المصدر السابق، ص٤٢٥-٤٢٦.

<<  <   >  >>