للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الحنيفية]

ولهذا عزف بعض رجال العرب عن ديانتهم الوثنية، قبيل ظهور الإسلام، واتخذوا لأنفسهم ديانة عرفت باسم "الديانة الحنيفية"، ومعنى الكلمة في الأصل "الانحراف عن الوثنية"، إلا أنه قد أصبح لها بعد ظهور الإسلام مدلول آخر هو كونها "الديانة المستقيمة"، وفي التفسير أنها الميل عن الباطل إلى الحق.

يقول العرب: إن هذه الديانة ترجع إلى عهد إبراهيم وإسماعيل، ثم مال العرب عنها إلى الوثنية، وفي القرآن الكريم إشارة إليها في قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ١. كما فيه وصف لها بأنها ديانة اهتدى إليها إبراهيم -عليه السلام- بالفطرة: {فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ٢. وقد جاء في سورة آل عمران قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ٣.

وقد جاء في الروايات أن ممن ثار على الوثنية من العرب: ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو، وعثمان بن الحويرث، وعبيد الله بن جحش، وغيرهم كثير٤. فقد اجتمعوا مرة وقال بعضهم لبعض: "والله ما قومنا على شيء، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطوف به لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع؟! يا قوم التمسوا لأنفسكم غير هذا". ثم تفرقوا وكل منهم يفكر في أمر نفسه، فأما ورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث فقد اعتنقا النصرانية، وبقي عبيد الله مترددًا حتى ظهور الإسلام فأسلم، وأما زيد فلم يدخل في نصرانية أو يهودية بل فارق دين قومه واعتزل الأوثان، وامتنع عن أكل الدم والميتة وقال: "أعبد رب إبراهيم" وكان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: "يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده، ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري".


١ [البقرة: ١٣٥] .
٢ [الأنعام: ٧٨-٧٩] .
٣ [آل عمران: ٦٧] .
٤ سيديو: تاريخ العرب العام، ص٦٤.

<<  <   >  >>