للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل عرفت السنة النبوية ظاهرة خطيرة جداً هي ظاهرة الوضع والاختلاق، فكانت داعيا أساسياً لدى العلماء الذين فطنوا لبداياتها الأولى إلى التوقف عن أي تحرج من كتابة السنة والانطلاق نحو تدوينها تدوينا رسميا في نهاية القرن الأول الهجري، وذلك في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي كلف ابن شهاب الزهري بالعملية.

وهو لشدة اهتمامه بالقضية وحرصه على أن يُولِيَها ما تستحقه من العناية والاهتمام، لم يكتف فقط باختيار الإمام الزهري والاعتماد عليه؛ إدراكاً منه لقوة تمكنه وتفوقه على سائر علماء عصره وإنما اهتدى إلى أن يعبئ جهود علماء الأمة الإسلامية كافة؛ لتتم العملية على أكمل وجه، فأرسل إلى سائر عماله على الأقاليم الإسلامية يأمرهم بجمع السنة قائلا: "انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه" (١) .

وربما لم يُكْتَبْ أن يصلَنا من هذه الكتب التي كتبها عمر إلا كتابٌ واحد هو ما أرسله إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره فيه بجمع السنن، ولا يبعد أن يكون السبب في اشتهار خطاب عمر لأهل المدينة دون غيره راجعا إلى أهميته وذلك لكونه يتضمن الأمر بجمع حديث المدينة المنورة؛ لقوله فيه على ما في بعض الروايات: انظر ما كان عندك - أي في بلدك - من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه" (٢) ، وحديث المدينة يأتي في الدرجة الأولى من حيث الأهمية لشموله أولا ثم لصحته ثانيا، والشمول راجع


(١) فتح الباري ج١: ١٩٥.
(٢) الحديث عند البخاري في الطبعة السلفية برواية أخرى لكن أشار الحافظ ابن حجر إلى أن هذه الرواية عند الكشميهني فقال: "ووقع هنا عند الكشميهني عندك أي في بلدك" انظر الفتح ج١: ١٩٤.

<<  <   >  >>