خلافته رَضِي اللَّه عَنْهُ وسيرته
(١٢٣٤) أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سرَايَا، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، بِإِسْنَادِهِمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يُفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ، وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ "
وهذا لما فتح اللَّه عَلَى عُمَر من البلاد، وحمل من الأموال، وما غنمه المسلمون من الكفار.
وَقَدْ ورد فِي حديث آخر: " وَإِن وليتموها، يعني الخلافة، تجدوه قويًا فِي الدنيا، قويًا فِي أمر اللَّه "، وَقَدْ تقدم.
(١٢٣٥) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ: أَنْبَأَنَا أَبُو رُشَيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، أَوْ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ غَفْلَةَ الْجُعْفِيَّ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي مَرَرْتُ بِنَفَرٍ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا أَهْلٌ لَهُ مِنَ الإِسْلامِ ...
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَفَاةُ، قَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي "، فَصَلَّى بِالنَّاسِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ارْتَدَّ النَّاسُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالُوا: نُصَلِّي وَلا نُعْطِي الزَّكَاةَ، فَرَضِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ مُنْفَرِدًا بِرَأْيِهِ، فَرَجَحَ بِرَأْيِهِ رَأْيَهُمْ جَمِيعًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَقَالا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ، كَمَا أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الصَّلاةِ، فَأَعْطَى الْمُسْلِمُونَ الْبَيْعَةَ طَائِعِينَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ فِي ذَلِكَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَا، فَمَضَى رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ، فَخَرَجَ مِنْهَا سَلِيمًا، فَسَارَ فِينَا بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نُنْكِرُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا، حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَرَأَى أَنَّ عُمَرَ أَقْوَى عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُحَابَاةً لآثَرَ بِهَا وَلَدَهُ، وَاسْتَشَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِي، وَمِنْهُم كَرِهَ، وَقَالُوا: أَتُؤَمِّرُ ⦗١٥٧⦘ عَلَيْنَا مَنْ كَانَ عَنَّانًا وَأَنْتَ حَيٌّ؟ فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَقُولُ لِرَبِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ: إِلَهِي أَمَّرْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ، فَأَمَّرَ عَلَيْنَا عُمَرَ، فَقَامَ فِينَا بِأَمْرِ صَاحِبَيْهِ، لا نُنْكِرُ مِنْهُ شَيْئًا، نَعْرِفُ فِيهِ الزِّيَادَةَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَتَحَ اللَّهُ بِهِ الأَرَضِينَ، وَمَصَّرَ بِهِ الأَمْصَارَ، لا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، الْبَعِيدُ وَالْقَرِيبُ سَوَاءٌ فِي الْعَدْلِ وَالْحَقِّ، وَضَرَبَ اللَّهُ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنَظُنُّ أَنَّ آلةَ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَنَّ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ، الْحَدِيثَ.
(١٢٣٦) قَالَ: وَأَنْبَأَنَا ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الْوُلاةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَسَبَقَا وَاللَّهِ سَبْقًا بَعِيدًا، وَأَتْعَبَا وَاللَّهِ مَنْ بَعْدَهُمَا إِتْعَابًا شَدِيدًا، فَذِكْرُهُمَا حُزْنٌ لِلأُمَّةِ، وَطَعْنٌ عَلَى الأَئِمَّةِ "
(١٢٣٧) أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، إِذْنًا، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
ح، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بَرَدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: وَأَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا مَرِضَ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَعْنِيَ ابْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ: " أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي! قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنْ! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَخْبَرَنَا بِهِ! فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: اللَّهُمَّ عِلْمِي بِهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ، وَأَنْ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ! وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتَهُ مَا عَدَوْتُكَ، وَشَاوِرْ مَعَهُمَا سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الأَعْوَرِ، وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَقَالَ أُسَيْدٌ: اللَّهُمَّ أَعْلِمْهُ الْخِيَرَةَ بَعْدَكَ، يَرْضَى لِلرِّضَى، وَيَسْخَطُ لِلسَّخَطِ، الَّذِي يُسِرُّ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي يُعْلِنُ، وَلَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَسَمِعَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُخُولِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُثْمَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَخُلْوَتِهِمَا بِهِ، فَدَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ اسْتِخْلافِكَ عُمَرَ عَلَيْنَا، وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونَنِي؟ خَابَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ أَمْرِكُمْ بِظُلْمٍ، أَقُولُ: اللَّهُمَّ، اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ، أَبْلِغْ عَنِّي مَا قُلْتُ لَكَ مَنْ وَرَاءَكَ ثُمَّ ⦗١٥٨⦘ اضْطَجَعَ، وَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا، وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا، حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ، وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ الْكَاذِبُ، أَنَّنِي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَإِنِّي لَمْ آلُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدِينَهُ وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا، فَإِنْ عَدَلَ، فَذَلَك ظَنِّي بِهِ، وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِتَابِ فَخَتَمَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَسُد بْنُ سَعْيَةَ الْقُرَظِيُّ: فَقَالَ عُثْمَانُ لِلنَّاسِ: أَتُبَايِعُونَ لِمَنْ فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ عَلِمْنَا بِهِ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَلَى الْقَائِلِ، وَهُوَ عُمَرُ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ جَمِيعًا وَرَضَوْا بِهِ وَبَايَعُوا، ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا، فَأَوْصَى بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ مُدًّا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ، إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلا صَلاحَهُمْ، وَخُفْتُ عَلَيْهِمُ الْفِتْنَةَ، فَعَمِلْتُ فِيهِمْ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، وَاجْتَهَدْتُ لَهُمْ رَأْيِي، فَوَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ وَأَقْوَاهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَحْرَصَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ رُشْدُهُمْ، وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ أَمْرِكَ مَا حَضَرَنِي، فَاخْلُفْنِي فِيهِمْ، فَهُمْ عِبَادُكَ، وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِكَ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ وُلاتَهُمْ، وَاجْعَلْهُ مِنْ خُلَفَائِكَ الرَّاشِدِينَ يَتَّبِعُ هُدَى نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَهُدَى الصَّالِحِينَ بَعْدَهُ، وَأَصْلَحَ لَهُ رَعِيَّتَهُ
وَرَوَى صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَأَصَابَهُ مُفِيقًا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: " أَصْبَحْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي عَلَى ذَلِكَ لَشَدِيدُ الْوَجَعِ، وَمَا لَقِيتُ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ وَجَعِي، إِنِّي وَلَّيْتُ أَمْرِي خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي، فَكُلُّكُمْ وَرِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْفُهُ، يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَهُ، قَدْ رَأَيْتُمُ الدُّنْيَا قَدْ أَقْبَلَتْ وَلَمَّا تُقْبِلْ، وَهِيَ مُقْبِلَةٌ حَتَّى تَتَّخِذُوا سُتُورَ الْحَرِيرِ وَنَضَائِدَ الدِّيبَاجِ، وَتَأَلْمَوُا مِنَ الاضْطِجَاعِ عَلَى الصُّوفِ الأَذْرَبِيِّ، كَمَا يَأْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنَامَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ ".
(١٢٣٨) أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ يَسَارٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُوَّةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ عَهِدْتُ عَهْدًا أَفَتَرْضَوْنَ بِهِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ رَضِينَا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لا نَرْضَى إِلا أَنْ يَكُونَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
(١٢٣٩) أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصَرَى التَّغْلِبِيُّ، أَنْبَأَنَا الشَّرِيفُ ⦗١٥٩⦘ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمِهْرَانِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ الشِّفَاءِ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا دَخَلَ السُّوقَ أَتَاهَا، قَالَ: سَأَلْتُهَا مَنْ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ: عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِه عَلَى الْعِرَاقَيْنِ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَجُلَيْنِ جَلَدَيْنِ نَبِيلَيْن، أَسْأَلُهُمَا عَنْ أَمْرِ النَّاسِ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِعَدِيِّ بْنَ حَاتِمٍ، وَلَبِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَأَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلا الْمَسْجِدَ، فَاسْتَقْبَلا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالا: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: أَنْتُمَا وَاللَّهِ أَصَبْتُمَا اسْمَهُ، وَهُوَ الأَمِيرُ، وَنَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ أَوْ لأَفْعَلَنَّ! قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَعَثَ عَامِلُ الْعِرَاقَيْنِ بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَلَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَأَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلانِي، فَقَالا: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: أَنْتُمَا وَاللَّهِ أَصَبْتُمَا، اسْمَهُ هُوَ الأَمِيرُ، وَنَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ
وكان قبل ذَلِكَ يكتب: من عُمَر خليفة خليفة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرى الكتاب من عُمَر أمير المؤمنين، من ذَلِكَ اليوم.
وقيل: إن عُمَر قَالَ: إن أبا بَكْر كَانَ يُقال لَهُ: يا خليفة رَسُول اللَّه، وَيُقَال لي: يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه، وهذا يطول، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم.
وقيل: إن المغيرة بْن شُعْبَة، قَالَ لَهُ ذَلِكَ، والله أعلم.
[سيرته]
وأمَّا سيرته فإنه فتح الفتوح، ومصر الأمصار، ففتح العراق، والشام، ومصر، والجزيرة، وديار بَكْر، وأرمينية، وأذربيجان، وأرانيه، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخوزستان، وغيرها.
وَقَدْ اختلف فِي خراسان، فَقَالَ بعضهم: فتحها عُمَر، ثُمَّ انتقضت بعده ففتحها عثمان، وقيل: إنه لم يفتحها، وَإِنما فتحت أيام عثمان، وهو الصحيح.
وأدر العطاء عَلَى النَّاس، ونزل نفسه بمنزلة الأجير، وكآحاد المسلمين فِي بيت المال، ودون الدواوين، ورتب النَّاس عَلَى سابقتهم فِي العطاء، والإذن، والإكرام، فكان أهل بدر أول النَّاس دخولًا عَلَيْهِ، وكان عَلَى أولهم، وكذلك فعل بالعطاء، وأثبت أسماءهم فِي ⦗١٦٠⦘ الديوان عَلَى قربهم من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدأ ببني هاشم، والأقرب فالأقرب.
(١٢٤٠) أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنُ فَضْلُوَيْهِ، قَالَتْ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْخَطِيبِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ عُثْمَانَ فِي مَالٍ لَهُ بِالْعَالِيَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، إِذْ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَكْرَيْنِ، وَعَلَى الأَرْضِ مِثْلُ الْفِرَاشِ مِنَ الْحَرِّ، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يُبْرِدَ ثُمَّ يَرُوحَ، ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ فَنَظَرْتُ، فَقُلْتُ: أَرَى رَجُلا مُعْتَمًّا بِرِدَائِهِ، يَسُوقُ بَكْرَيْنِ، ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: انْظُرْ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْبَابِ، فَإِذَا نَفْحُ السَّمُومِ، فَأَعَادَ رَأْسَهُ حَتَّى حَاذَاهُ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: بَكْرَانِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ تَخَلَّفَا، وَقَدْ مُضِيَ بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْحَقَهُمَا بِالْحُمَّى، وَخَشِيتُ أَنْ يَضِيعَا، فَيَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلُمَّ إِلَى الْمَاءِ وَالظِّلِّ وَنَكْفِيكَ، فَقَالَ: عُدْ إِلَى ظِلِّكَ، فَقُلْتُ: عِنْدَنَا مَنْ يَكْفِيكَ! فَقَالَ: عُدْ إِلَى ظِلِّكَ، فَمَضَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْقَوِيِّ الأَمِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا! فَعَادَ إِلَيْنَا فَأَلْقَى نَفْسَهُ
رَوَى السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُصْعَبٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعَبْسِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ حِينَ الصَّدَقَةِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَجَلَسَ عُثْمَانُ فِي الظِّلِّ، وَقَامَ عَلِيٌّ عَلَى رَأْسِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ مَا يَقُولُ عُمَرُ، وَعُمَرُ قَائِمٌ فِي الشَّمْسِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، عَلَيْهِ بُرْدَتَانِ سَوْدَاوَانِ، مُتَّزِرٌ بِوَاحِدٍ وَقَدْ وَضَعَ الأُخْرَى عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَتَفَقَّدُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَكْتُبُ أَلْوَانَهَا وَأَسْنَانَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ ابْنَةِ شُعَيْبٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} ، وَأَشَارَ عَلِيٌّ بِيَدِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ.
(١٢٤١) أَنْبَأَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ، إِجَازَةً، عَنْ أَبِي غَالِبِ بْنِ الْبَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَهْدٍ الْعَلافُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمَسَاجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِيهَا الْقَنَادِيلُ، فَقَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ عَلَى عُمَرَ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ عَلَيْنَا مَسَاجِدَنَا
ورَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: ⦗١٦١⦘ خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا، وَلا خِبَاءً حَتَّى رَجَعَ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ يُلْقَى لَهُ كِسَاءٌ أَوْ نِطَعٌ عَلَى الشَّجَرِ، فَيَسْتَظِلُّ بِهِ.
وَرَوَى مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَنْفَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا ثَمَانِينَ دِرْهَمًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَأَسَّفُ وَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَى، وَيَقُولُ: " مَا أَخْلَقَنَا أَنْ نَكُونَ قَدْ أَسْرَفْنَا فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى ".
(١٢٤٢) أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، إِذْنًا، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالا: أَنْبَأَنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ، أَوْ قَالَ: أَيْسَرُ لِحِسَابِكُمْ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَجَهَّزُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}
وله فِي سيرته أشياء عجيبة عظيمة، لا يستطيعها إلا من وفقه اللَّه تَعَالى، فرضي اللَّه عَنْهُ وأرضاه، بمنه وكرمه.
مقتله رَضِي اللَّه عَنْهُ
(١٢٤٣) أَنْبَأَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَشَائِرِ مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: " اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ "
(١٢٤٤) أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ طَاوُسٍ، أَنْبَأَنَا ⦗١٦٢⦘ طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَنْبَأَنَا بِهِ عَالِيًا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا نَفَرَ مِنْ مِنًى، أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ، ثُمَّ كَوَّمَ كُومَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا طَرْفَ رِدَائِهِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ، كَبِرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبُضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ! فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى طُعِنَ فَمَاتَ.
(١٢٤٥) أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الأَكْفَانِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ، أَنْبَأَنَا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ وَعَقِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الأَكْفَانِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الْكُرَيْزِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: " حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَيْنَا نَحْنُ وَاقِفُونَ عَلَى جَبَلِ عَرَفَةَ، صَرَخَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ لِهْبٍ، وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ يَعْتَافُونَ: مَا لَكَ؟ قَطَعَ اللَّهُ لَهْجَتَكَ، وقَالَ عَقِيلٌ: لَهَاتَكَ، وَاللَّهِ لا يَقِفُ عُمَرُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا، قَالَ جُبَيْرٌ: فَوَقَعْتُ بِالرَّجُلِ اللِّهْبِيِّ فَشَتَمْتُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ وَقَفَ عُمَرُ وَهُوَ يَرْمِي الْجِمَارَ، فَجَاءَتْ عُمَرَ حَصَاةٌ عَائِرَةٌ مِنَ الْحَصَى الَّذِي يَرْمِي بِهِ النَّاسُ، فَوَقَعَتْ فِي رَأْسِهِ، فَفَصَدَتْ عِرْقًا مِنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَشَعَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا يَقِفُ عُمَرُ عَلَى هَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا بَعْدَ هَذَا الْعَامِ، قَالَ جُبَيْرٌ: فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ اللِّهْبِيُّ، الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ عَلَى جَبَلِ عَرَفَةَ مَا قَالَ.
لهب: بكسر اللام، وسكون الهاء
(١٢٤٦) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْفَقِيهُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَكْرِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، وَلا أَدْرِي ذَلِكَ إِلا لِحُضُورِ أَجَلِي، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ، فَإِنَّ الْخِلافَةَ شُورَى فِي هَؤُلاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ
⦗١٦٣⦘
(١٢٤٧) وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو رُشَيْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُودٍ سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السِّمَّرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الصَّقْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " بَكَتِ الْجِنُّ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِثَلاثٍ، فَقَالَتْ:
أَبَعْدَ قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَصْبَحَتْ لَهُ الأَرْضُ تَهْتَزُّ الْعِضَاهُ بِأَسْوُقِ
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ
فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يَرْكَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بِالأَمْسِ يُسْبَقِ
قَضَيْتَ أُمُورًا ثُمَّ غَاْدَرْتَ بَعْدَهَا بَوَائِقَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَمَاتُهُ بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أَخْضَرِ الْعَيْنِ مُطْرَقِ.
قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ لِلشَّمَّاخِ، أَوْ لأَخِيهِ مُزَرِّدٍ.
(١٢٤٨) أَنْبَأَنَا مِسْمَارُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعُوَيْسِ النِّيَارُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي صَالِحِ بْنِ فَنَاخِسْرُو، وَغَيْرُهُمَا، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: " كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لا تُطِيقُ؟ قَالا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لا تُطِيقُ: قَالا: لا، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ بِسُورَةِ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ كَبَّرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي، أَوْ: أَكَلَنِي الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَشِمَالا إِلا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، مِمَّنْ يَلِي عُمَرَ، فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: يَابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: الصُّنْعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ! لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي ⦗١٦٤⦘ الإِسْلامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ، وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ يَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ، أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ! بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلُّوا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، وَاحْتَمَلَ إِلَى بَيْعِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لا بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ غُلامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِدَمٍ فِي الإِسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وُلِّيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٍ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافًا، لا عَلَيَّ وَلا لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلامَ، قَالَ: يَابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَحَسَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَماِنيَن أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَّى لَهُ مَالَ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيٍّ، فَإِنْ لَم تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلا تَعَدَّهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، وَانْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ لَهَا: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلامَ، وَلا تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْه، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ، قَدْ أَذِنْتَ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ، وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلا لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ، أَوِ: الرَّهْطِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ.
فَسَمَّى: عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ فَإِذَا أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ " ...
، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
وَرَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: " خُذْ رَأْسِي عَنِ ⦗١٦٥⦘ الْوِسَادَةِ فَضَعْهُ فِي التُّرَابِ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْحَمُنِي! وَوَيْلٌ لِي، وَوَيْلٌ لأُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ! فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَأَغْمِضْ عَيْنِي، وَاقْصِدُوا فِي كَفَنِي، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ أَبْدَلَنِي مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ سَلَبَنِي فَأَسْرَعَ سَلْبِي، وَأَنْشَدَ:
ظَلُومٌ لِنَفْسِي غَيْرَ أَنِّي مُسْلِمٌ أُصَلِّي الصَّلاةَ كُلَّهَا وَأَصُومُ "
(١٢٤٩) أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَنْبَأَتْنَا أُمُّ الْمُجْتَبَى الْعَلَوِيَّةُ، قَالَتْ: قَرَأَ عَلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْمُقْرِئِ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبَّادٍ قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ الْغُبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ الأَرْحَاءَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ يَسْتَغِلُّهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، فَلَقِيَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمُغِيرَةَ قَدْ أَثْقَلَ عَلَيَّ غَلَّتِي، فَكَلِّمْهُ يُخَفِّفْ عَنِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَوْلاكَ، وَمِنْ نِيَّةِ عُمَرَ أَنْ يَلْقَى الْمُغِيرَةَ فَيُكَلِّمَهُ لِيُخَفِّفَ عَنْهُ، فَغَضِبَ الْعَبْدُ، وَقَالَ: وَسِعَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَدْلُهُ غَيْرِي، فَأَضْمَرَ عَلَى قَتْلِهِ، فَاصْطَنَعَ لَهُ خِنْجَرًا لَهُ رَأْسَانِ، وَشَحَذَهُ وَسَمَّهُ، ثُمَّ أَتَى بِهِ الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى هَذَا؟ قَالَ: أَرَى أَنَّكَ لا تَضْرِبُ أَحَدًا إِلا قَتَلْتَهُ، قَالَ: فَتَحَيَّنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ، فَجَاءَهُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى قَامَ وَرَاءَ عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يَقُولُ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَقَالَ كَمَا كَانَ يَقُولُ، فَلَمَّا كَبَّرَ وَجَأَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِي كَتِفِهِ، وَوَجَأَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَقِيلَ: ضَرَبَهُ سِتَّ ضَرَبَاتٍ، فَسَقَطَ عُمَرُ، وَطَعَنَ بِخِنْجَرِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَأَفْرَقَ مِنْهُمْ سِتَّةً، وَحُمِلَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي لُؤْلُؤَةَ: أَلا تَصْنَعُ لَنَا رَحًا؟ قَالَ: بَلَى، أَصْنَعُ لَكَ رَحًا يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الأَمْصَارِ، فَفَزِعَ عُمَرُ مِنْ كَلِمَتِهِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّهُ يَتَوَعَّدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
(١٢٥٠) قَالَ: وَأَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ فَسَمِعْنَا الصَّيْحَةَ عَلَى عُمَرَ، قَالَ: فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ الْبَيْتَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: سَقَاهُ الطَّبِيبُ نَبِيذًا فَخَرَجَ، وَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ، وَقَالَ: لا أَرَى أَنْ تُمْسِيَ فَمَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ، فَقَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: وَاعُمَرَا! وَكَانَ مَعَهَا نِسْوَةٌ فَبَكَيْنَ مَعَهَا، وَارْتَجَّ الْبَيْتُ بُكَاءً، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ ⦗١٦٦⦘ الْمَطْلَعِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا تَرَاهَا إِلا مِقْدَارَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} ، إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْنَا، لأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدَ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتُقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، فَأَعْجَبَهُ قَوْلِي، فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ لِي بِهَذَا يَابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: فَكَفَفْتُ، فَضَرَبَ عَلَى كَتِفِي، فَقَالَ: اشْهَدْ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَشْهَدُ ".
وَلَمَّا قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أربعًا
(١٢٥١) أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبَّةَ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي، إِلا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتُ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَأَيْمُ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهَ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ أُكْثِرُ أَنْ أَسْمَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ذَهَبْتُ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ "، وَإِنْ كُنْتُ أَظُنُّ لَيَجْعَلَنَّكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.
ولما توفي عُمَر صلي عَلَيْهِ فِي المسجد، وحمل عَلَى سرير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغسله ابنه عَبْد اللَّه، ونزل فِي قبره ابنه عَبْد اللَّه، وعثمان بْن عفان، وسعيد بْن زَيْد، وعبد الرَّحْمَن بْن عوف.
روى أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن سعد، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: طعن عُمَر يَوْم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، ودفن يَوْم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين، وخمسة أشهر، وأحدًا وعشرين يومًا.
وقَالَ عثمان بْن مُحَمَّد الأخنسي: هَذَا وهم، توفي عُمَر لأربع ليال بقين من ذي الحجة، وبويع عثمان يَوْم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة.
وقَالَ ابْنُ قُتَيْبَة: ضربه أَبُو لؤلؤة يَوْم الأثنين لأربع بقين من ذي الحجة، ومكث ثلاثًا، وتوفي، فصلى عَلَيْهِ صهيب، وقبر مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بَكْر.
وكانت خلافته عشر سنين، وستة أشهر، وخمس ليال، وتوفي وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، وقيل: كَانَ عمره خمسًا وخمسين سنة، والأول أصح ما قيل فِي عُمَر.
⦗١٦٧⦘
(١٢٥٢) أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ يوحن بْنِ أتَوَيْهِ بْنِ النُّعْمَانِ الْبَاوَرْدِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبِيلِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْخَلِيلُ الْبَلْخِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ مَعْقِلٍ الشَّاشِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَخْطُبُ، قَالَ: " مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنا ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً " وقَالَ قَتَادَة: طعن عُمَر يَوْم الأربعاء، ومات يَوْم الخميس.
وكان عُمَر أعسر يسر: يعمل بيديه، وكان أصلع طويلًا، قَدْ فرع النَّاس، كأنه عَلَى دابة.
قَالَ الواقدي: كَانَ عُمَر أبيض أمهق، تعلوه حمرة، يصفر لحيته، وَإِنما تغير لونه عام الرمادة، لأنَّه أكثر أكل الزيت، لأنَّه حرم عَلَى نفسه السمن، واللبن حتَّى يخصب النَّاس، فتغير لونه.
وقَالَ سماك: كَانَ عُمَر أروح كأنه راكب، وكأنه من رجال بني سدوس، والأروح: الَّذِي يتدالى قدماه إِذَا مشى.
وقَالَ زر بْن حبيش: كَانَ عُمَر أعسر يسر، آدم.
وقَالَ الواقدي: لا يعرف عندنا أن عُمَر كَانَ آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة.
قَالَ أَبُو عمر: وصفه زر بْن حبيش، وغيره، أَنَّهُ كَانَ آدم شديد الآدمة، وهو الأكثر عند أهل العلم.
وقَالَ أنس: كَانَ عُمَر يخضب بالحناء بحتًا.
وهو أول من اتخذ الدرة، وأول من جمع النَّاس عَلَى قيام رمضان، وهو أول من سمي أمير المؤمنين، وأكثر الشعراء مراثيه، فمن ذَلِكَ قول حسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ:
⦗١٦٨⦘
ثلاثة برزوا بفضلهم نضرهم ربهم إِذَا نشروا
فليس من مؤمن لَهُ بصر ينكر تفضيلهم إِذَا ذكروا
عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم واجتمعوا فِي الممات إذ قبروا
وقالت عاتكة بِنْت زَيْد بْن عَمْرو بْن نفيل، وكانت زوج عُمَر بْن الخطاب:
عين جودي بعبرة ونحيب لا تملي عَلَى الْإِمَام النجيب
فجعتني المنون بالفارس المـ ـعلم يَوْم الهياج والتلبيب
عصمة النَّاس والمعين عَلَى الدهر وغيث المنتاب والمحروب.
رزاح: بفتح الراء، والزاي.