للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: بواعث الجمع وأسبابه:

بعد تولي أبي بكر رضي الله عنه إمارة المسلمين واجهته أحداث جسيمة، خصوصاً ما كان من قبل أهل الردة، وما دار بعد ذلك من حروب طاحنة ومعارك عنيفة، خصوصاً ما كان في موقعة اليمامة١، حيث استشهد فيها عدد كبير من الصحابة، منهم أكثر من سبعين من قراء الصحابة، فاشتد ذلك على الصحابة، ولا سيما على عمر رضي الله عنه فاقترح على أبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن، خشية ضياعه بموت الحفاظ وقتل القراء، فتردد أبو بكر لأول الأمر ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر رضي الله عنه، فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين٢، وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله٣.

ويتضح ذلك من الحديث الصحيح الذي روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان من كتاب الوحي، وقال فيه:

" أَرْسَلَ إِلِيَّ أَبُوبكرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامةِ وعندهُ عُمرُ فقالَ أبو بكرٍ إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرَّ٤ يوم اليمامةِ بالنّاس وإِنِّي أخشَى أن يستَحرَّ القَتْلُ بالقرّاءِ في المواطن فيذْهبَ كثيرٌ من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأرى أن تجمعَ القرآن. قال أبو بكر قلتُ لعمرَ كيفَ أفعلُ شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرُ: هو واللهِ خيرٌ فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالسٌ لا يتكلم فقال أبو بكر إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ ولا نتهمك كنتَ تكتبُ الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كانَ أثقلَ عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلتُ كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر هو والله خيرٌ فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرحَ الله


قال الحموي: بين اليمامة والبحرين عشرة أيام، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمى اليمامة جواً والعَروض – بفتح العين، وكان اسمها قديماً: جوّا، فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، (معجم البلدان:٥/٤٤٢) ، أما غزوة اليمامة فكانت سنة ١٢هـ (شذرات الذهب:١/٢٣) قتل فيها عدو الله مسيلمة الكذاب، وآلاف من جنده وأعوانه، وفتحت على يد خالد بن الوليد صلحاً، واستشهد فيها أكثر من سبعمائة من كبار المهاجرين والأنصار. (الكامل لابن الأثير:٢/٢٤٣) وما بعدها) ، وقيل: ١٢٠٠مقاتل (الشذرات:١/٢٣) ، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص ٧٦.
٢) راجع كتاب المصاحف لابن أبي داود: ١/١٦٥.
٣ تاريخ الخلفاء، ص: ٤٤، نقلاً عن ابن كثير في تفسيره، والنووي في التهذيب.
٤ أي اشتد.

<<  <   >  >>