للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا الأصل - كما تقدم - راسخ عند علماء الحديث حتى عَدُّوه نوعاً من مصطلح الحديث سموه "مختلف الحديث".

ومن أمثلة استحضار معارض الخبر في نقد أخبار السيرة النبوية أن البخاري أخرج في صحيحه (١) حديث ابن عباس: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم". والحديث من جهة إسناده صحيح ثابت عن ابن عباس، ومع ذلك فإن الحافظ ابن حجر لم يقتصر عليه، وإنما بحث له عن معارض فوجد أحاديث تعارضه، ونقل عن العلماء أقوالاً في بيان وقوع التعارض وفي الترجيح. مما ذكر من ذلك قول ابن عبد البر:"اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال، جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم من الواحد أقرب من الوهم من الجماعة، فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما، وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد". (٢)

ومما حصل فيه التعارض أيضاً في سيرة الخلفاء الراشدين المهديين بيعة عليٍّ أبا بكر رضي الله عنهما، ففيه روايات أنه من أول من بايع كما بايع غيره من الصحابة في السقيفة، وفيه أنه بايع مرتين، وفيه أنه لم يبايع إلا متأخراً. فلا يجوز للمؤرخ أن يقف على رواية دون أخرى، وإنما الواجب ضم الروايات بعضها إلى بعض والترجيح بينها. من هنا يظهر لنا القصور الكبير الذي وقع لكثير من المصنفين في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام في العصر


(١) كتاب النكاح، باب نكاح المحرم. (فتح الباري ٩/١٦٥)
(٢) "فتح الباري" ٩/١٦٥-١٦٦.

<<  <   >  >>