للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين (١)

وقول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} ١ (٢) .

ــ

(١) أي باب ما جاء من الدليل والبرهان على أن سبب كفر بني آدم أو سبب أول كفر بني آدم، وتركهم دينهم الذي خلقوا له، ولا صلاح ولا فلاح لهم إلا به هو الغلو في الصالحين من الأنبياء والأولياء وغيرهم بالقول والاعتقاد فيهم، وضابط الغلو: تعدي ما أمر الله به، وهو الطغيان الذي خطى الله عنه، ولما ذكر بعض ما يفعله عباد القبور مع الأموات من الشرك، أراد أن يبين السبب في ذلك، ليحذروا الغلو مطلقا لا سيما في الصالحين، فإنه أصل الشرك قديما وحديثا، لقرب الشرك بالصالحين من النفوس، فإن الشيطان يظهره في قالب المحبة والتعظيم.

(٢) في موضعين من كتابه، أي لا تتعدوا ما حد الله لكم، ولا ترفعوا المخلوق عن منزلته التي أنزله الله، وأهل الكتاب هنا هم اليهود والنصارى، والغلو كثير في النصارى؛ فإنهم غلوا في عيسى فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله، واليهود تنقصوه فحطوه من منزلته، حتى جعلوه ولد بغي، فالنصارى أفرطوا، واليهود فرطوا، والخطاب وإن كان لأهل الكتاب، فهو تحذير لهذه الأمة أن يفعلوا مع نبيهم ما فعلت النصارى مع المسيح، واليهود مع العزير. قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} ٢. ومن تشبه بهم من هذه الأمة وغلا في الدين بإفراط أو تفريط فهو منهم، فعل من دعا نبيا أو وليا من دون الله =


١ سورة النساء آية: ١٧١.
٢ سورة الحديد آية: ١٦.

<<  <   >  >>