للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله (١)

وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ١ (٢) .

ــ

(١) أراد المصنف -رحمه الله- بيان وجوب الصبر على الأقدار وبيان فضله، وتحريم ضده المنقص لكمال التوحيد، والإيمان عند أهل السنة: نطق باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان يزيد وينقص. والصبر في اللغة الحبس والكف، ومنه: قتل فلان صبرا، إذا أمسك وحبس، ومنه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} ٢ أي احبس نفسك معهم. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والصبر ضياء ". ولهما: " ما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر " ٣. وقال علي: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ثم رفع صوته وقال: أما إنه لا إيمان لمن لا صبر له. قال أحمد: ذكره الله في تسعين موضعا من كتابه، وهو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على ما أمر الله به، وصبر عما نهى الله عنه، وصبر على ما قدره الله من المصائب، وهو واجب بالإجماع.

(٢) أول الآية: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بقدره ومشيئته وإرادته الكونية القدرية، وحكمته التامة، كقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ٤ الآية. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} أي من أصابته مصيبة فعلم أنها من قدر الله فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه، كما قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ =


١ سورة التغابن آية: ١١.
٢ سورة الكهف آية: ٢٨.
٣ البخاري: الزكاة (١٤٦٩) , ومسلم: الزكاة (١٠٥٣) , والترمذي: البر والصلة (٢٠٢٤) , والنسائي: الزكاة (٢٥٨٨) , وأبو داود: الزكاة (١٦٤٤) , وأحمد (٣/٩٣) , ومالك: الجامع (١٨٨٠) , والدارمي: الزكاة (١٦٤٦) .
٤ سورة الحديد آية: ٢٢.

<<  <   >  >>