للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا (١)

وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} ١ الآيتين (٢) .

ــ

(١) أراد المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك، ينافي كمال التوحيد الواجب، ويحبط الأعمال، وهو أعظم من الرياء؛ لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله، وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل، ولا يسترسل معه، فإن قيل: فما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله؟ قيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وهو ما إذا أراد الإنسان بعمله التزين عند الناس، والتصنع لهم والثناء، فهذا رياء، وهو أيضا إرادة الدنيا بالتصنع عند الناس، وطلب المدحة منهم والإكرام، ويفارق الرياء لكونه عمل عملا صالحا أراد به عرضا من الدنيا، كمن يجاهد ليأخذ مالا، أو يجاهد للمغنم، أو غير ذلك، ولهذا سماه عبدا لذلك، بخلاف المرائي؛ فإنه إنما يعمل ليراه الناس ويعظموه، والذي يعمل لأجل الدراهم أعقل من المرائي، وكلاهما خاسر، نعوذ بالله من موجبات غضبه.

(٢) قال ابن عباس: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي ثوابها: {وَزِينَتَهَا} أي مالها: {نُوَفِّ} أي نوفر لهم ثواب: {أَعْمَالَهُمْ} بالصحة والسرور في المال والأهل والولد،: {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} لا ينقصون {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} ٢؛ لأنهم لم يعملوا إلا للحياة الدنيا وزينتها: {وَحَبِطَ} في الآخرة: {مَا صَنَعُوا} فيها، فلم يكن لهم ثواب؛ لأنهم لم يريدوا به الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفي إليهم ما أرادوا {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} : ٣ أي كان عملهم في نفسه باطلا؛ لأنه =


١ سورة هود آية: ١٥.

<<  <   >  >>