للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب من سب الدهر فقد آذى الله (١)

وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} ١ الآية (٢)

ــ

(١) لأنهم إذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، فإنما سبوا فاعله حقيقة وهو الله سبحانه، والساب مرتكب أحد أمرين: إما مسبة الله أو الشرك، فإن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله فقد سب الله تعالى الله وتقدس. ومناسبة هذا الباب للكتاب ظاهرة؛ لأن سب الدهر يتضمن الشرك، ولفظ الأذى في اللغة: هو لما خف أمره وضعف أثره من الشر والمكروه، وهو بخلاف الضر، فقد أخبر سبحانه، أن العباد لا يضرونه، لكن يؤذونه إذا سبوا مقلب الأمور.

(٢) أي يقول مشركو العرب والفلاسفة الإلهيون وأضرابهم: ما حياتنا إلا حياة الدنيا التي نحن فيها، لا حياة سواها تكذيبا منهم بالبعث بعد الموت،: {نَمُوتُ وَنَحْيَا} ٢ يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة، جحدا للمنقول ومكابرة للمعقول؛ ولهذا قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} ٣ أي ما يفنينا إلا ممر الليالي والأيام، فيسبون الدهر، والله يقول: " يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار " ٤. وأكذبهم بقوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} ٥ أي يقين علم: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} ٦ يتوهمون ويتخيلون، ومطابقة الآية للترجمة ظاهرة؛ لأن من سب الدهر فقد شاركهم في سبه، وإن لم يشاركهم في الاعتقاد.


١ سورة الجاثية آية: ٢٤.
٢ سورة الجاثية آية: ٢٤.
٣ سورة الجاثية آية: ٢٤.
٤ البخاري: تفسير القرآن (٤٨٢٦) , ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (٢٢٤٦) , وأبو داود: الأدب (٥٢٧٤) , وأحمد (٢/٢٣٨) .
٥ سورة الجاثية آية: ٢٤.
٦ سورة الجاثية آية: ٢٤.

<<  <   >  >>