للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب ما جاء في منكري القدر (١)

وقال ابن عمر: " والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله، ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" (٢) .

ــ

(١) أي من الوعيد الشديد، والقدر بالفتح ما يقدره الله من القضاء، ولما كان توحيد الربوبية لا يتم إلا بإثبات القدر ذكر المصنف ما جاء من الوعيد فيمن أنكره، تنبيها على وجوب الإيمان به، وقد جاءت أحاديث كثيرة في ذم القدرية، وأنهم مجوس هذه الأمة، فعن ابن عمر مرفوعا: " القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم " ١. رواه أبو داود. وروى من حديث حذيفة: " لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر " الحديث. يعني أن الأمر مستأنف، لم يسبق به قدر ولا علم من الله، وإنما يعلمه بعد وقوعه. ومذهب أهل السنة ما دل عليه الكتاب والسنة أن الله خالق كل شيء، وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدر أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم، وكتابته السابقة، ويقولون: الأمر أنف. وهذا القول أول ما حدث في الإسلام في أواخر عصر الصحابة، وأول من ظهر ذلك منه معبد الجهني كما سيأتي، وعامة القدرية ينكرون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فينكرون مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وينكرون أن للعباد إرادات وأفعالا حقيقة وأن الله خالق أفعالهم وإراداتهم.

(٢) هذا الحديث رواه مسلم كما ذكره المصنف، وأهل السنن وغيرهم عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من تكلم في القدر بالبصرة معبد الجهني، =


١ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٣٦٧) .

<<  <   >  >>