للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مشهد القطا يمثل المعاناة من البحث عن الماء]

...

الذئاب تعبيرا عن الجوع فإن مشهد القطا يمثل معاناته الحقيقية في البحث عن الماء، فهو مشهد من مشاهد الظمأ الذي يتعرض له كل من سلك دروب الصحراء، أو قدر له أن يتخذ منها موطنا، فكلاهما قد بلغ به الظمأ مداه فأخذا يتصارعان في الوصول إلى الماء، أما القطا فقد أدركها الأعياء قبل الوصول إلى نقطة الانتهاء بينما استمر هو في عدوه ولم يستقص جهده يسابق الطير في السماء:

هممت وهمت وابتدرنا وأسدلت ... وشمر مني فارط متمهل

ثم يستطرد الشنفرى إلى وصف القطا جربا على عادته في استقصاء الوصف, فبعد أن يصفها من حيث شكلها ومبلغ العطش الذي أصابها وجعلها تتساقط نحو الماء لتروي ظمأها فتغمس فيه حنكها وحوصلتها لتستأثر بأكبر قدر من الماء، نراه يصورها في تزاحمها على الحوض محدثة ما تحدثه من صوت وجلبة فرحة بصولها إلى الماء بقوم أو قافلة تتزاحم على ماء عثرت عليه بعد أن أعياها البحث واستبد بها الظمأ وكل ذلك يعكس فرحته بالحصول على الماء، ثم منظر القطا وهي تنفض عن المورد لتتفرق مسرعة في طيرانها وكأنها قطيع من بقر الوحوش فاجأ خطرا فأسلم رجليه للفرار.

والشاعر في هذا يتباهى بسبقه الطير, وأنه بزها في العدو وقد لا تكون هناك مبالغة، فهو يعرف بحس من ألف الصحراء أن القطا

<<  <   >  >>