للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وجهة نظر في تفسير المقدمة]

...

ففي المقدمة تحدث عن همومه وأحزانه التي أثارتها ديار عمره محبوبته ونايها عنه، كما تناول بعض مظاهر جمالها، وكيف أن خيالها يؤرقه ويمنع عنه النوم كلما زاره، وهو دائما يعتاده حين يأوي إلى فراشه، فيستبد به ويشغل باله، ويحول بينه وبين النوم فيوقعه فريسة للوحدة والسهر ووحشة الليل، وهي حين ترتحل مع قومها يزداد حزنه وتتصاعد همومه لهذا الفراق الذي يطول وربما لا يعقبه لقاء.

والمقدمة على هذا النحو قد تكون تقليدية على عادة الشعراء الجاهليين الذين يصدرون قصائدهم بمثل هذه المقدمات من أجل التشويق وإثارة النفس لتتحفز للسماع وتنشط لما يلقي عليها بعد ذلك وقد تخرج عن كونها تقليدا فنيا وعرفا جرى عليه الشعراء، إلى تصوير للحالة النفسية التي يعاني منها الشاعر، بسبب ما ينتظر قومه من خطر داهم وعدو يتربص بهم الدوائر، بينما قومه في غفلة، كل تشغله مصلحته الخاصة عن المصلحة القومية العليا وهي أمن الوطن وسلامته.

فعمرة التي أهاجت أشواقه فاستبد به الهم الحزن والوجع قد تكون في الواقع أشواق نفسه ورغبته الملحة وهيامه إلى اللحظة التي يتوحد فيها قومه ويعدون العدة ليداهموا عدوهم قبل أن يفاجأهم بما لا قبل لهم به فتصبح المقدمة بهذا شديدة الصلة بالموضوع، ويكون هناك نوع من الربط النفسي بينها وبين مضمون الرسالة إذ أنها تعكس

<<  <   >  >>